تكتسب زيارة جلالة الملك إلى الولايات المتحدة الأميركية ولقائه الرئيس جو بايدن أكثر من أهمية، ولاعتبارات عديدة أبرزها أنها تأتي بعد فترة مريرة أفرزتها سياسات الرئيس السابق دونالد ترامب التي عكست عدم درايته وفهمه لتركيبة المنطقة، ولا لتعقد الصراع فيها.
لا يمكن التقليل من أهمية وقيمة هذه الزيارة التي تعتبر الأولى لزعيم عربي للإدارة الجديدة، فهي تأتي في الوقت الذي بدأت فيه أوراق المنطقة تأخذ شكلا جديدا في ظل معطيات عديدة ظهرت في الفترة الأخيرة، من أبرزها انتهاء عصر الأرعن نتنياهو ومن قبله ترامب، إلى جانب عقد جلالة الملك لقاءات عديدة قبيل مغادرته المملكة لحمل ملفات متكاملة ومتفق عليها، فالقمة الثلاثية مع العراق ومصر، ولقاؤه الرئيس الفلسطيني محمود عباس، واتصال الرئيس الإسرائيلي بالملك، وما كشفته الصحافة العبرية عن لقاء جمع جلالته برئيس وزراء إسرائيل الجديد، ومن ثم لقاء وزير الخارجية أيمن الصفدي بنظيره الإسرائيلي، جميعها حراكات سبقت اللقاء بالرئيس يايدن، ولا شك أنها تأتي من باب حمل الملك لجميع هذه الملفات، وإطلاع الرئيس الأميركي عليها بكل استفاضة.
في ضوء كل هذه التحركات، فإن المعطيات لا تحمل مجالا للشك بأهمية الأردن، ومكانة الملك لدى الإدارة الأميركية الجديدة، والدور الذي يمكن لنا أن نلعبه إقليميا في المرحلة المقبلة، حيث تكثر الملفات التي ستكون على طاولة النقاش هناك، وعلى رأسها إحياء عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، إضافة إلى الملف السوري الذي ظل الأردن يؤكد على الدوام أن الحل فيه ينبغي أن يكون سياسيا يرضاه أبناؤه، وكذلك ملفات لبنان والعراق، ومحاربة الإرهاب الذي لم تتخلص منه المنطقة بعد، إلى جانب العلاقات الثنائية بين أميركا والأردن، وتحديدا فيما يخص الجانب الاقتصادي.
الإدارة الأميركية تشهد لحظة تحول تجاه قضايا المنطقة، وهناك حرص واضح على إعادة الاعتبار لعملية السلام، وقد أشار الملك إلى ذلك في حديث له أكد فيه أن إدارة بايدن تملك مقاربات منطقية بهذا الخصوص، إضافة إلى أن الدور الذي يقوم به الملك في هذا الإطار محل دعم وتأييد دول عربية.
ماذا عن الأردن؛ مصالحنا واحتياجاتنا وأهدافنا من هذه الزيارة؟
اعتمد الأردن بقيادة جلالة الملك على سياسية ثابتة قوامها حمل لواء قضايا عربية وإسلامية إلى جميع المحافل، مع ضرورة ضمان المصالح الأردنية التاريخية والمستقبلية، وهي المهمة التي أجادها لضمان استقرار الأردن عبر تحالفات متعددة، ما ساهم في الصمود في وجه عواصف ترامب إبان محاولاته تمرير ما عرف بـ”صفقة القرن”، وأمام الضغوطات السياسية والاقتصادية التي واجهتنا طيلة السنوات السابقة، وما تزال تبعاتها موجودة.
اليوم، الأردن يحقق مكاسب عديدة، إذ إنه عاد ليكون نقطة جذب سياسية لما يدور بالمنطقة، وهذا يعطيه مساحة أوسع في التأثير في سياق إيصال صوت وأوجاع الإقليم على الصعيد الدولي، ناهيك عن القدرة على إعادة ترتيب البيت الأردني الداخلي دون ضغوط خارجية قد تشغلنا أو تؤخرنا عن ذلك، وها هي عجلة الإصلاح السياسي والإداري بدأت بالدوران بهدوء وثبات.
المصالح الأردنية لا تقتصر على البعد السياسي، فجلالة الملك يحمل في سفره الملف الاقتصادي الأردني، حيث من المقرر أن يلتقي مديري شركات كبرى، وأن يبحث أوجه الاستثمار في الأردن، إلى جانب إيجاد نوافذ جديدة للصادرات الأردنية، وهذا يأتي بعد لقاءات عقدها جلالته في عمان استمع خلالها من القطاعات الاقتصادية المحلية عن أبرز معيقات الصادرات الأردنية في الخارج.
المرحلة المقبلة، وكنتيجة حتمية لهذه الزيارة، من المفترض أن تشهد أفقا جديدا في الرؤى والتوجهات على جميع الأصعدة، عنوانها المصالح الأردنية في ظل المتغيرات التي تشهدها المنطقة، سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي.