بما أن وثيقة اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية تمثل بداية الطريق وليس نهايته، فعلى الاحزاب السياسية وقوى المجتمع ان تنخرط بورشة عمل مكثفة استعدادا للمرحلة المقبلة. الوثيقة حددت خريطة طريق متدرج للنهايات المرجوة، والطرق الانسب للوصول إليها، وقد شيدت اجراءات تحمي تنفيذ المخرجات والتوصيات، من خلال ادراج مواد قانونية داخل قانوني الاحزاب والانتخاب تنص على التدرج ومتطلبات كل مرحلة، وذلك منعا للنكوس او تلكؤ مسار التنفيذ عبر السنوات المقبلة. اذا خريطة التحديث واضحة جلية، ستصل بنا الى كتلة حزبية في البرلمان بمقدار 65 % مع انتخابات البرلمان الثاني والعشرين، مسبوقة بـ 50 % في انتخابات البرلمان الحادي والعشرين، اما الانتخابات المقبلة لمجلس النواب العشرين فستكون 30 % من مقاعد البرلمان فيها مخصصة للمقاعد الحزبية على المستوى الوطني.
هذا التدرج الواضح والملزم، المنصوص عليه بأحكام القانون، يرتب على الاحزاب السياسية الكثير ليتم انجازه في المرحلة المقبلة، واهم ما هو مطلوب من الاحزاب ان تتشكل، تندمج، او تصوب اوضاعها بحسب النصوص القانونية الجديدة التي من ابرزها ان يكون عدد المؤسسين 1000 عضو، من ست محافظات على الأقل، ويكون 20 % من المؤسسين نساء ونسبة مماثلة للشباب، على ان هذه الشروط ليست التحدي الاكبر، فالتوقعات تشير الى اننا وبحسب الشروط الجديدة سيكون لدينا حزبان الى ثلاثة احزاب يمين، ومثلها للوسط، وحزب او حزبان لليسار الجديد وليس التقليدي. التحدي الاكبر هو بالإتيان ببرامج وقيادات قادرة على ان تخوض الانتخابات والفوز بأصوات الناس، فتدخل البرلمان وتبدأ عملية المشاركة بإعداد الحكومات الحزبية. أحزابنا لا تمتلك خبرة جيدة في هذا الشأن، وحتى الاحزاب الكبيرة التي تعتقد ان لديها برامج، برامجها في الحقيقة تعتبر عامة شعاراتية إنشائية وليست برامج بالمعنى العلمي لمفهوم البرنامج الحزبي.
وحتى اذا افترضنا ان الاحزاب تمكنت من الاتيان ببرامج عملية واقعية قابلة للتطبيق، ستصطدم تلك الاحزاب بحقيقة ان هذه البرامج قد لا تكون سياسيا وانتخابيا جذابة لجمهور الناخبين، الذين سيطالبون بحلول سريعة وفعالة، ما قد يدفع بالأحزاب للاتجاه نحو الخطاب الشعبوي غير الواقعي طلبا وطمعا بأصوات الناخبين. أرى شخصيا ان هذا اكبر تحد سيواجهنا في المرحلة المقبلة، النزوح نحو الشعبوية طلبا للأصوات، فالديمقراطيات بطبعها تميل وتتأثر بالشعبوية، فهذا هو سرطانها الذي يجتاح العديد من دول العالم الديمقراطي، ونحن لسنا بمنأى عن ذلك، بل المتوقع ان يعاني مشهدنا السياسي والحزبي منه.
في المرحلة المقبلة، ثمة واجب وطني كبير على النخبة المثقفة، وقيادات الاحزاب العاقلة، ان تكون مبادرة وجريئة، وان تتنبه لخطر الشعبوية على حياتنا الحزبية، وتحمي المجتمع منها، فالدول التي عانت من الشعبويات وانزلقت لها خسرت كثيرا، ومن اهم ميزاتنا نحن في الأردن، عبر تاريخنا، العقلانية والبراغماتية في صناعة القرار، وابتعادنا عن الشعبوية، وهذا ما جعلنا دولة استطاعت ان تواجه أعتى التحديات، وعلينا جميعا ان نحمي هذه القيمة السياسية الأردنية العميقة والكبيرة.