لا أدري فيما إذا كان للوزراء وكبار المسؤولين أبناء عاطلون عن العمل، لكن ما أعرفه، بحكم التجربة المرة، هو حجم “الهم الثقيل” الذي يحمله الآباء الذين انسدت أمام أبنائهم أبواب العمل، واستبد بهم الفراغ، وضاقت بهم دروب الأمل.
معه حق وزير المالية حين يقول: “أرقام البطالة تجعلنا مستيقظين طوال الليل”، ومع هؤلاء الآباء، أيضا، الحق حين يشهرون غضبهم وعتبهم على المسؤولين، يكفي أن نتصور طبيعة الحياة التي تعيشها أسرة دفعت ما تملكه، وربما اقترضت، لتعليم ثلاثة أو أربعة أو أكثر من أبنائها في الجامعات، ثم تخرجوا وعادوا إلى بيوتهم، وما يزالون منذ سنوات بانتظار فرصة عمل لم تأت، وربما لن تأتي في المدى المنظور. لا أتحدث عن “عبء” الإعالة مع تمدد الفقر وضيق ذات اليد، ولا عن عمر الشباب الذي يضيع في الفراغ، ولا عن مشاريع المستقبل التي يفترض أن يحلم بها أبناؤنا، وإنما، فقط، الضغط النفسي الذي يجثم على صدور الآباء والأبناء معا، نتيجة هذا الكابوس المخيف، وما يولده من قهر وأوجاع.
بصراحة، لا نريد من المسؤولين أن يحرموا أنفسهم من النوم في الليل، نريد منهم أن يستيقظوا على حلول لمشكلة البطالة التي أصبحت كابوسا يطارد أغلبية الأردنيين، الأرقام هنا صادمة وغير مسبوقة، فقد ارتفعت نسبة البطالة العامة مرتين ونصف خلال 10 سنوات، وتوزعت بشكل مرعب أيضا، إذ بلغت بين فئة الشباب (50 %)، وبين المتزوجين (27.5 %)، وبين النساء المتعلمات أكثر من (79 %)، هذا يعني أننا أمام كارثة تستدعي من الحكومة إعلان حالة النفير العام، لا مجرد إصدار برنامج أولويات لإنعاش الاقتصاد وتحريك عجلة التنمية.
مواجهة الأخطار الكبرى تحتاج إلى أفكار ومشاريع كبرى أيضا، وتحتاج إلى إرادة ومصداقية عالية (ناهيك عن الأموال)، صحيح أن نظرية التوظيف سقطت وأن القطاع العام أضيق من أن يكون هو الحل، لكن الصحيح أيضا هو أن افتراضية التشغيل وما ارتبطت به من برامج التدريب والتأهيل والانفتاح على القطاع الخاص والاستثمار لم تنجح هي الأخرى بالشكل المطلوب، وعليه فإن ما فعلته الحكومات على مدى السنوات العشر الماضية لم يتجاوز صرف الوعود، فيما ظلت أعداد العاطلين عن العمل تتصاعد، وفرص التشغيل تتراجع، وفئات الفقراء تتوسع أيضا.
لكي ندرك حجم المشكلة وتداعياتها الخطيرة ونواجهها بالاستيقاظ الحقيقي المشفوع بالعمل، لا بد أن نعرف كم من هؤلاء الشباب العاطلين عن العمل انضم إلى قوافل المنتحرين، أو إلى متعاطي المخدرات، وكم منهم ما يزال عازفا عن الزواج، أو أعلن الطلاق، أو ضلت به قدماه إلى التطرف، أو قرر الانتقام من المجتمع ووقع في براثن الجريمة وانتهى به المطاف إلى السجن، فهذه الطاقات المهدورة لا يمكن أن تظل تتحرك في الفراغ، وما لم تجد ما تستثمر فيه وقتها وجهدها في أبواب “الخير العام”، فإنها ستتحول إلى قنابل اجتماعية قابلة للانفجار في أي لحظة.
ما أخشاه أن يتحرك قطار نفاد الصبر أسرع مما نتصور، أو أن تشكل بعض التسريبات لتعيين أبناء الحظوات والذوات فزاعة لاستفزاز الشباب “المعطلين” ممن لا ظهر لهم أو واسطة، أو أن نفهم الرسائل الكثيرة التي تصدر باستمرار من المجتمع بما تحمله من شكوى وصراخ واستغاثة بشكل غير صحيح، عندها لن يكفي أن يظل المسؤولون “مستيقظين” في الليل، وإنما سنقف جميعا على قدم واحدة بانتظار مجهول لا نعرفه، أو لمواجهة “نازلة” كبرى لم نستعد لها كما يجب، ولم نتحرك لتجنب قدومها بما يلزم من حكمة ويقظة واستبصار.