اللقاء الذي جمع جلالة الملك بشخصيات من محافظات الجنوب أول من أمس يمثل نقطة الانطلاق ليس لمشروع وطني كبير بحجم الزراعة، بل لورشة العمل الوطني لمرحلة ما بعد “كورونا”.
بالنسبة لعموم الأردنيين حضور الملك الشخصي بمكانته ورمزيته في المشهد العام هو ما يشحذ الهمم والمعنويات. وفي هذه المرحلة الصعبة التي تمر فيها البلاد جراء جائحة كورونا، وما خلفته من إحباط وعدم يقين حيال المستقبل، لا شيء أكثر من حضور الملك يمكن أن يشحن طاقة الأردنيين للعمل ويعيد الثقة بقدرتهم على تعويض ما فاتهم.
الحكومة الجديدة وفريقها الوزاري ومن خلفها طواقم العمل في الدولة تحتاج هي الأخرى لدور القائد لتستمد منه العزيمة، مثلما هو الحال كذلك للمؤسسة التشريعية التي تستعد لتلقي توجيهات الملك في خطاب افتتاح البرلمان لتحديد أولويات ومهمات المرحلة المقبلة.
ظروف الجائحة فرضت قيودا على التواصل المباشر بين القيادة والمواطنين، ولطالما فضل الملك هذا الشكل من اللقاءات المباشرة مع الأردنيين في مواقعهم والاستماع لهمومهم والعودة من المحافظات بحزمة إجراءات وتوجيهات عاجلة للحكومات لحل مشاكل المواطنين ومساعدتهم على تخطي الصعاب.
اختيار المشروع الوطني الزراعي كنقطة انطلاق هو أفضل ما نستهل فيه مشوار التنمية في الأردن. الزراعة بأشكالها المختلفة تمثل للأردنيين عنوان البناء والتنمية والأمان، وأكثر من ذلك الشعور بقدرتهم على العطاء والاعتماد على الذات.
جائحة كورونا أظهرت تميز بلدنا في هذا الميدان، فقد تمكن القطاع الزراعي الأردني من تلبية احتياجات المواطنين بشكل كامل، في وقت تقطعت فيه سلاسل التزويد العالمية، كما استطاع تغطية حاجات أسواق دول عربية شقيقة عانت من نقص الخضار والفواكه.
في وقت مبكر من هذا العام قرر الملك البناء على هذا الإنجاز، ومنح خطة تطوير قطاع الزراعة أولوية لتكريس مكانة الأردن في هذا المجال، وتعزيز ميزته التنافسية.
هذا يعني زيادة قدراتنا والتوسع في المساحات المزروعة ورفع معدلات الصادرات الزراعية، وتوفير آلاف فرص العمل للأردنيين، واحتلال موقع مرموق في المنطقة.
في اللقاء الملكي مع الشخصيات الجنوبية، كشف رئيس الوزراء بشر الخصاونة الذي سبق له أن تابع العمل على المشروع من موقعه السابق في الديوان الملكي عن إنجاز اللجنة العليا التي تشكلت لهذه الغاية بصدد الانتهاء من وضع خريطة زراعية متكاملة.
لكن الجديد والمهم في هذا الصدد هو ما أشار إليه جلالة الملك عندما قال للحضور بأن الدولة هي من سيقوم بتنفيذ هذه المشاريع بالتعاون مع الأهالي، والحديث هنا عن استصلاح وزراعة مساحات واسعة من أراضي المملكة، والبداية من محافظات الجنوب، مشيرا إلى وجود خريطة زراعية يتم وضع اللمسات الأخيرة عليها حاليا لتحديد الأماكن الصالحة للزراعة وكميات المياه المتوفرة والمطلوبة.
والباب سيبقى مفتوحا للقطاع الخاص كما قال جلالته للمساهمة في هذا المشروع الوطني الكبير.
المشاريع الكبرى شبه متوقفة في البلاد، وقطاع الخدمات والبنية التحتية على أهميته لا يعوض غياب المشاريع التنموية التي تحقق العائد الاقتصادي وتخلق فرص عمل مستدامة وتدعم سياسات الاعتماد على الذات.
لا ينبغي على الحكومة أن تسمح لأي جهة بتعطيل هذا المشروع، وعليها تسخير الموارد وتجاوز العقبات البيروقراطية التي تقف في وجهه، كما كل المشاريع من هذا الطراز.
علينا أن ننهض بسرعة ونقف على قدمينا ولا نستسلم للحظة الأزمة، ونعمل بكامل طاقتنا للاستفادة من الفرص المتوفرة.