أين الاثرياء والمليونيرية في بلدنا، ولماذا لم يتحرك رأس «المال الوطني» ليمارس جزءا من واجبه الوطني..؟
ثم، أليس من الأولى قبل ان نعتب على اخواننا العرب الذين لم يقصر بعضهم في مساعدتنا، وقبل أن «ننتظر» المعونات التي وعدنا بها «اصدقاؤنا» الاجانب، ان نسأل اثرياءنا الذين يملكون مئات الملايين: ماذا قدمتم لبلدكم، وأين هي استثماراتكم، ولماذا تبخلون على بلدكم واخوانكم الفقراء والمحتاجين الذين لهم «حق معلوم» في ثرواتكم؟
المستثمر الوطني الاردني، زياد المناصير، الذي اعلن قبل ايام عن توقيع اتفاقية إنشاء مصنع لصناعة السيارات الكهربائية بالتعاون مع شركة صينية، يذكرنا بهؤلاء الاثرياء والمستثمرين الذين خرجوا من البلد ولم يعودوا اليه، اعرف ان عددا منهم جرب القيام بمثل هذه المهمة، اقصد الاستثمار بالبلد، بعضهم ( وهو قليل) نجح، واخرون فشلوا او أُفشلوا، لكن المسألة لم تتجاوز حتى الان عددا من الافراد الذي حركهم وازعهم الوطني للاستثمار او مساعدة بلدهم، فيما آخرون كثر لا علاقة لهم بالموضوع. ارجو ان لا يقول لي القارئ الكريم ان الحكومات تتحمل مسؤولية هذه الاوضاع الاقتصادية الصعبة التي وصلنا اليها، وان تدبير فرص العمل للشباب الذين يبحثون عنها من واجب الدولة بكافة مؤسساتها، فانا – مثلك – اعرف ذلك تماما واطالب الحكومة ان تقوم بواجبها تجاه الفقراء والمحتاجين – وما اكثرهم الان في بلدنا -، لكن اليس من حق الناس على هؤلاء الاثرياء الذين ولدوا في البلد وأكلوا من خيراتها ان يستثمروا اموالهم فيها، وان يكون في اموالهم نصيب «للسائل والمحروم»؟ أليس من حق بلدهم عليهم ان يدفعوا جزءا مما لديهم، سواء على شكل استثمارات او ضرائب او زكاة او مساعدات للمجتمع الذي خرجوا منه وعاشوا فيه؟ ليس من باب الصدقة والاحسان فقط، وانما من باب الواجب الوطني الذي تفرضه ابسط قواعد الاحساس بالمسؤولية الاخلاقية.
لدينا – حسب معلومات معلنة ومعروفة – طبقة من «المليونيرية» بعضهم تتجاوز ثروته عشرات المليارات ـ هؤلاء اكتسبوا اموالهم من خيرات البلد، واستفادوا من الاعفاءات التي منحت للمستثمرين، او من النوافذ التي تركتها لهم القوانين، وربما من اشياء اخرى، ولدينا نحو ثلاثين مليارا كمدخرات للاردنيين بالخارج، لم يستفد منها بلدنا بفلس واحد. ليس منّةً ابداً أن يدفع هؤلاء من اموالهم لاخوانهم الفقراء، ولا يجوز ان يحملوا البلد «جميلاً» اذا ما ساهموا في تغطية جزءٍ من مديونيته، هذا واجبهم لأنهم مدينون للدولة بكل ما جنوه من ارباح، ولأن في هذه «الاموال» حق لاخوانهم في الفقراء، ولان «امتناعهم» عن ذلك سينعكس عليهم آجلاً ام عاجلاً فالفقر يجر الكفر، ويجر ايضاً ما لا يسلم منه أحد، غنيا كان او فقيراً.
لا اطالب الفاسدين «بالفزعة « للبلد، ولا اريد ان اسأل : من اين جاؤوا بهذه الثروات وكيف تحولوا في «غفلة» منا الى مليونيرية؟ فهؤلاء الذين نطاردهم باللعنات بسبب فسادهم، لا علاقة لهم اصلا بالاردن، ولا تشغلهم ازماته ومشكلاته، لأن كل ما يطمحون اليه هو المزيد من الثروة، والمزيد من «النهب»، ولأنهم جاهزون في أية لحظة لحمل «حقائبهم» والسفر على اول طائرة.
يكفي ان نظل نطالب ونطالب الدولة باصرار ان «تكسر « ظهر الفساد، وتضع يدها على الاموال التي سرقت لتعيدها الى الخزينة، وأن تفرض ما يلزم من تشريعات لتحصيل حق «الناس» في هذه الثروات التي يتهرب اصحابها من دفع الضرائب، او في تلك الاستثمارات التي أعفيت لاسباب غير مفهومة، مع ان ارباح بعضها بالملايين.
يبقى سؤال مخجل، وهو : هل «عقمت» بلدنا ان تلد رجلاً مثل «بيل غيتس» او امرأة مثل زوجته «ميليندا» اللذين تبرعا، قبل سنوات، بنصف ثروتهما للفقراء والمحتاجين، او ان تلد «40» رجلاً كاولئك الامريكيين الاربعين الذين استجابوا لدعوة الملياردير الامريكي فتبرعوا بنصف ثرواتهم لتحسين ظروف مجتمعهم؟ او ان يخرج من بيننا « مناصير « آخرون يلهمهم رجل الاعمال، زياد المناصير، فيبنون المزيد من المصانع او يستثمرون في مواردنا الطبيعية ويشغلون الاف الشباب؟ لا أدري، ولكنني اتمنى ان يكون لدينا مثل هؤلاء. ولو عشرة منهم على الاقل.