الجنوب والشمال وفي الاغوار والبادية والوسط والمخيمات يتطلع الناس إلى بارقة امل تبعث في نفوسهم شيئا من التفاؤل وتخفف من حالة الخوف والقلق والتوتر التي تهيمن على المزاج العام. تحت ضغوط السياسة الاميركية وغطرسة وتجاهل الكيان الاسرائيلي للحقوق الفلسطينية والحاجات الامنية للأردن ترتفع وتيرة الاجتهاد والتخمين وتصبح البيئة مهيأة لكافة صنوف التفسير والاشاعات القادمة من كل الاتجاهات لدوافع واهداف متنوعة.
في مثل هذه الحالة تكون الاجواء مضطربة ويحتاج الناس إلى خطاب وطني عقلاني مقنع وواضح يعرف الاخطار ويسمي التهديدات ويؤشر على مكامن القوة ويؤكد على الاهداف الوطنية والوسائل والادوات الكفيلة بخدمتها ويوجه الجميع نحو العمل على حماية وتحصين الجبهة الداخلية والالتزام بحذافير الموقف الوطني وتفصيلاته .
الاكتفاء بالدعاء واللجوء إلى الهتاف والشعارات واثارة الحماس في مهرجانات خطابية لا يحقق نتائج ولا يخدم الموقف بمقدار ما يشكل مناسبات لتفريغ طاقة الغضب وخلق حالة من الوهم لدى الجماهير بأنها أدت الادوار المتوقعة والمطلوبة. على الدولة ان تعيد تعريف المصالح الوطنية العليا وتؤكد عليها وترسم الاستراتيجيات العملية لتحقيقها من خلال تعبئة وطنية شاملة بعدما تتخذ اجراءات سريعة وحاسمة في معالجة القضايا والهموم وتجيب على الاسئلة التي يطرحها الشارع بوضوح وموضوعية.
المخاوف في الأردن اليوم لا تأتي من الاعلان عن صفقة القرن وتهديدها للمصالح الأردنية فحسب بل من النهج الذي تسلكه المؤسسات في التشريع والتنفيذ والادارة للموارد والخدمات حيث يستغرب الناس من سرعة تبدل التشريعات التي لا يفهمون مبرراتها ودوافعها وانعكاساتها على واقع ومستقبل الناس ونوعية حياتهم ووجودهم.
في كل يوم يكتشف المواطن اغترابه عن القرارات التي يتم اتخاذها نيابة عنه ويتساءل عن اسباب وصحة هذه الاجراءات وتطابقها مع المصالح الوطنية العليا. إلى جانب خصخصة الموارد الأردنية والصناعات الاستراتيجية وتجزئة شركة الكهرباء واستمرار حمايتها من قبل الدولة، يتساءل الناس عن سبب دخول اعداد غير قليلة من الشركات المسجلة في الجزر والبلدان البعيدة بأسماء غير معروفة وبرؤوس اموال محدودة إلى السوق الأردني وقيامها بشراء وبيع وادارة صفقات بظروف واوضاع غير واضحة تماما.
الفوسفات والاتصالات والكهرباء والصخر الزيتي والغاز والنفط وقراءة العدادات والاسمنت والمياه والموانئ وغيرها من القطاعات والمجالات شهدت دخول وخروج العشرات من الشركات والوسطاء الذين جاؤوا من كل حدب وصوب في اوقات مختلفة من الاعوام والعقود الماضية.
من بين عشرات الملفات التي تابعها الجميع بكثير من الاستغراب كانت صفقة الغاز الاسرائيلي احد مصادر القلق والغضب للشارع الأردني وموضع للاجماع الشعبي على رفضها والغائها. بالرغم من الرفض النيابي العلني للصفقة وتأييد الشارع لهذا الرفض فما يزال الغاز يتدفق دون معرفة الاسباب الحقيقية للاصرار على تنفيذها خلافا للرغبة الشعبية الواسعة.
إلى جانب كل ما حدث على الساحة الاقليمية والمحلية يثير الناس الكثير من الاسئلة حول مشروع القانون المتعلق بحق تملك غير الأردنيين في البتراء. الكثير من الرفض يأتي على خلفية النظرة التي يحملها الكيان الصهيوني للبتراء والعديد من الاماكن الأردنية والاطماع المبيتة والمستندة إلى اساطير وحكايات تلمودية يستند لها اليمين الصهيوني ويتخذها كقاعدة للتخطيط والحكم. التوقيت الذي جاء فيه مشروع القانون أدخل النواب والجمهور في حالة من الارتياب والشك ودفع بالكثير منهم إلى اتخاذ مواقف مناهضة للقانون ومطالبة برده.
من حق الناس ان يقولوا رأيهم ويعبروا عن مخاوفهم ومن واجب الدولة ان تستجيب إلى الرغبة الشعبية وتتفاعل معها. بهذه الاجراءات يمكن ان تتوحد الجبهة الداخلية ويلتف الناس حول السياسات والبرامج والاهداف التي يفهمونها ويعون مبرراتها وقيمتها وآثارها. بغير ذلك يصعب على الدولة والشعب الدخول في علاقة تحفها الثقة ويسودها التعاون والدعم والتأييد.