حين كانت عملية السلام عبر مؤتمر مدريد عام 1991 انقسمت الحالة العربية والفلسطينية بين مؤيد ومعارض، ثم كان هناك داخل معسكر السلام معارضة لتفاصيل الاتفاقات وخاصة اتفاق أوسلو الذي وقعه ياسر عرفات، وكان الجدل كبيرا من منطلقات سياسية او فكرية او دينية، وفي النهاية كان منطق معسكر السلام انها فرصة للحصول على ما أعطته الشرعية الدولية من حقوق وخاصة للفلسطينيين.
اليوم وبعد ثلاثين عاما من تلك الحالة ما يزال بعض معسكر السلام يسعى للحصول على ما أعطته القرارات الدولية واهمها الدولة الفلسطينية المستقلة على تراب فلسطين، لكن المشكلة في كيان الاحتلال الذي اثبت انه لا يؤمن بفكرة السلام وخاصة بعد هيمنة معسكر اليمين واليمين الاكثر تطرفا على القرار في كيان الاحتلال.
ما يحدث اليوم ان الاحتلال يعمل على فرض وقائع على الارض تقتل فكرة الدولة الفلسطينية، ويعمل باتجاهات تحول الفلسطينيين الى جالية في سلطة أمنية يديرها فلسطينيون تقدم خدمات لاسرائيل، ولم تعد فكرة الذهاب الى حل سياسي وفق القرارات الدولية جزء من عقلية قادة الاحتلال.
هذا الواقع يمكن اعتباره فشلا لمن راهنوا على فكرة السلام مع اسرائيل، لكن المشكلة ان تيارا من هؤلاء يحاولون انتاج افكار ومقترحات تقوم على محاولة التكيف مع الواقع الذي تفرضه إسرائيل، ويحاولون البحث عن حلول لواقع رفض إسرائيل اقامة دولة فلسطينية، ويطرحون خيارا مؤقتا ومرحليا وهو الدولة الواحدة وهو خيار قديم يقوم على اقامة دولة واحدة للاسرائيليين والفلسطينيين تقوم على اسس ديمقراطية، وهو خيار يدرك كل متابع انه مرفوض اسرائيليا لانه يتناقض مع فكرة يهودية الدولة، وايضا مع السياسة الإسرائيلية التي تعمل على تفريغ الارض الفلسطينية بل تناقض مع ما ورد في صفقة القرن وغيرها من افكار اسرائيلية لتبادل السكان من عرب 48 وسكان المستوطنات، لكن هذه الافكار المرحلية مقدمة بعد سنوات لطرح فكرة كونفدرالية او فدرالية اردنية فلسطينية، اي إلحاق ما بقي من الضفة وسكانها بالأردن اي وطن بديل وتوطين.
من يطرحون فكرة الدولة الواحدة لأن حل الدولتين مات كما يقولون يدركون ان اسرائيل ترفض الدولة الواحدة وسنسمع بعد حين فشل الدولة الواحدة وان حل ضم الضفة وسكانها للأردن، فالمنهج واضح في التكيف مع ما يفرضه الاحتلال من واقع.
ما يجري” التبشير” به من اعلان وفاة حل الدولتين وطرح حل الدولة الواحدة والذي سيفشل ايضا مقدمة لسؤال في اوساط مهمة خارجية: كيف نرضي الفلسطينيين دون دولة فلسطينية؟” والجواب ضم الضفة للاردن او فدرالية بين شعب ودولة اي الوطن البديل..، والإجابة تكريس لواقع نراه في الاستسلام عمليا لما تفرضه إسرائيل من واقع على الارض وما تتبناه من افكار ومعتقدات سياسية ثم الانطلاق في البحث عن حلول تنسجم مع الواقع المفروض اسرائيليا والانتقال من سيناريو الى آخر كما انتقلنا من رفض السلام إلى قبول التسوية ثم حل الدولة الواحدة وبعدها الخيار الاردني الذي لايخدم الا إسرائيل.