يتحتّم على الحكومة اليوم، وفي ظل التحول الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الذي أفرزته جائحة كورونا، أن تطلق العنان لإدارة التغيير وفق خطط وإستراتيجيات تعكس جديتها وقدرتها على التعامل مع المجهول القادم، من أجل ضمان الحدّ من تأثيرات انتشار الفيروس وما ترتب عليه من ضرر في جميع القطاعات، وتدهور وضع الموازنة العامة للعام الحالي.
اليوم، شعار دولة الإنتاج، الذي تسيّد مشروع النهضة لحكومة الدكتور عمر الرزاز في عهد ما قبل كورونا، يجب أن يتحوّل إلى واقع في أسرع ما يمكن، عبر تحديد أولويات القطاعات التي تتناسب مع قدرات الدولة وإمكانياتها، قبل الانتقال إلى مشاريع أكبر حجما علينا تحديدها اليوم استعدادا لتنفيذها بخطوات ثابتة في المستقبل القريب.
الوقت هو العدو الأكبر والأخطر للتغيير الذي فرضته التحديات والظروف إذا ما أردنا التصدي لجميع المشاكل التي طرأت دون أن نحسب لها حسابا، فالتحولات تسير بوتيرة عالية وسريعة جدا، وتحتاج إلى العمل بالوتيرة السريعة ذاتها، فلا يُعقل أن نفوّتَ فرصة قد لا تتكرر لإحداث تغيير في طريقة التفكير الاقتصادي والتوسع في صناعات فرضت نفسَها حاليا، وتشق طريقا واعدا لها نحو المستقبل.
إبقاء الأردن تحت رحمة شعارات تطلقها الحكومات والمؤسسات بعناوين عريضة مثل “نريد أن نعمل، سننفذ، ندرس، هناك توجه، ونفكر”، وتكون في حقيقة الأمر مفردات تهدف إلى تخدير المجتمع بالأمل بلا عمل، فيما لم يكلّف المسؤولون أنفسهم عناء الاجتهاد في وضع إستراتيجيات ودراسة قرارات مهمة وعاجلة ومصيرية. هذه الإستراتيجيات في ظل الأوضاع الحالية لا تكفي وحدها، وإنما يجب أن يتم السير فيها بأسرع ما يمكننا.
منذ بدء الأزمة تم التأكيد على ضرورة وأهمية الالتفات إلى القطاعين؛ الزراعي والصناعي، ووضع تصور كامل لآلية التوسع بهما، باعتبارهما أهم روافد الاقتصاد الأردني في قادم السنوات، والتفكير بماهية الاستثمار الأنسب في هذا الجانب، مع التركيز على الملف السياحي. وبعد مرور أكثر من شهرين لم نشاهد أي تحرك حكومي نحو التغيير المطلوب، حتى أننا لم نلمس أي توجه نحو هذا الأمر، ولو عبر إعلان خطوات أولية أو عن دراسات وإستراتيجيات فعلية وعلمية ستعمد إلى تطبيقها. هذا ينقلنا من فشل إلى آخر، ويعيدنا إلى عهد ما قبل كورونا، حيث كان الترهل هو العنوان السائد في عمل الحكومات، فكان عدم القدرة على تنفيذ الخطط سمة بارزة في أداء جميع الحكومات، لكن في ظل الوضع الاقتصادي الحالي فإن كلفة العودة إلى تلك الفترة ستكون أكبر مما نعتقد، وأخطر مما نتوقع.
إدارة التغيير تتطلب جهودا متواصلة، وبشكل جماعي، تنقل الأردن من حالة إلى أخرى، عبر تخطيط علمي لجميع أوجه النشاط، من أجل التأسيس لأفضل الممارسات في جميع النواحي، ولضمان تحقيق أهداف التنمية المطلوبة لتجاوز أي تحديات قد تواجه المملكة سواء كانت تحديات اقتصادية أو سياسية.
للتأكيد من جديد، فإن سرعة التحرك هو السلاح الأكبر الذي نملكه، وما اعتدنا عليه من بطء في التحرك والإنجاز، هو التحدي الأكبر الذي نواجهه أمام تحقيق دولة الإنتاج وتعافي الاقتصاد، أو بالحد الأدنى الوصول إلى نقطة الصفر من جديد.