وزارة الطاقة والخبراء والفنيون فيها وشركات الكهرباء عجزوا عن الوصول الى تفسير لسرّ انقطاع الكهرباء فتمّ اللجوء الى شركة أجنبية مختصة للبحث وتقديم الجواب. بعد ان تنجز الشركة عملها سنكتشف أن المشكلة كانت في الحقيقة إعلامية فقط. نقصد أنه في نهاية المطاف سيكون هناك تفسير فنّي بحت فليس هناك مشكلة سياسية أو اقتصادية أو خارجية من تلك التي تمّ التكهن بها. ليس الغاز المصري ولا شركة العطارات ولا شركات الطاقة المتجددة. لم يبق جهة الا ونفت مسؤوليتها ولم يبق الا الطيور التي حملتها بعض الفرضيات المسؤولية بإصطدامها الجماعي بخطوط الضغط العالي، وهي لو كان لها لسان ينطق لنفت أيضا. عندما يظهر سبب الانقطاع سنكتشف أن المشكلة كانت في ادارة الموقف مع الرأي العام.
في نهاية المطاف سيكون هناك سبب فنّي مثل تأرجح فرق الأحمال أو سواه من أمور تخصّ العمليات المعقدة على الشبكة الوطنية إستيرادا وانتاجا وتوزيعا وقد يظهر قصور او تقصير ما ساهم بدرجة أو اخرى في ما حصل وهو أمر لا يمكن فنيا استبعاده بالمطلق لكنه لا يشبه ما يحدث من عذاب يومي مع انقطاعات الكهرباء عند العراقيين واللبنانيين بسب الفساد المريع والعجز عن تمويل كلف انتاج وتوسيع واستدامة الطاقة الكهربائية.
الرأي العام يريد اجابة وقطاع الكهرباء يريد معرفة ما حصل لمنع تكراره، فأضطرت الحكومة الى استخدام شركة شيزي الايطالية وإن شاءالله تصل الى نتيجة ولا تقف عند حدود الفرضيات والترجيحات. لكن بهذا أو ذاك سنكتشف ان مشكلة الحكومة كانت في مكان آخر. فما حصل من انقطاع للكهرباء كان احتمالا واردا فنيا والفشل كان الاعلام وادارة الموقف مع الرأي العام. المسؤولين عندنا يحبون الإخفاء حتى عندما لا يكون هناك ما يخفونه. ويحبون التحفظ والتهرب من المواجهة حتى عندما لا يكون هناك ما يستوجب التهرب منه. ليس عيبا ان الحكومة لم تعلم فورا ولا في نفس اليوم ولا في الايام التالية عن حقيقة ما حصل بل العيب هو ان لا تواجه الرأي العام بهذه الحقيقة البسيطة وأن لا تبقى ساعة بساعة معه تحيطه علما بما لديها وما تتوصل له حتى لو كان لا شيء، لكنها تجيب على الأسئلة والاستفسارات وتوضح لماذا هي لا تعلم وما الذي تفعله وما هي الاحتمالات ويمكن أن تستعين بخبراء يشاركون ويشرحون ويوضحون.
ليس هناك فضيحة في حادثة استثنائية ما زلنا لم نعرف سببها لانقطاع الكهرباء، ولا شك أن الانقطاع لساعات يحمل مخاسر أو مخاطر جسيمة وأعتقد أن من حق المتضررين التعويض لكن الارتباك في الموقف الرسمي والتواري عن الأنظار وتحميل المسؤولية شمالا ويمينا دون توثيق بينما كل جهة متهمة تصدرا نفيا لمسؤوليتها فهذه هي الفضيحة التي ضجت بها وسائل التواصل ومعها فيض عارم من التعليقات الساخطة والساخرة. بعد معرفة السبب سنعرف كيف نمنع تكرار انقطاع الكهرباء، لكن هل سنتعلم يوما كيف نتعامل مع الرأي العام ؟