الثلاثاء، 02-07-2019
04:54 م
وسط سيل من التحديات وعلى وقع الأصوات التي تتحدث عن انخفاض مستوى الرضا عن اداء الحكومة وتأخر تنفيذ التزاماتها تسعى الحكومة بما أوتيت من قوة إلى تسجيل بعض الانجازات في اوقات قياسية. تشغيل الشباب والنقل والطاقة وادارة ملف الاسلحة والذخائر اضافة إلى تطوير الموارد ومجابهة التحديات والمشاكل الطارئة بعض من المجالات التي تعمل فيها الفرق الحكومية ويتابعها الرئيس شخصيا.
إلى جانب البطالة والفقر وضعف معدلات النمو الاقتصادي ما تزال الاوضاع المرورية في مقدمة التحديات والهموم التي تحاصر المواطن الأردني وتؤثر على الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية للافراد والاسر في المدن والارياف والبوادي الأردنية.
بخلاف الكثير من الدول الصناعية والنامية التي اوجدت شبكات وبنى فاعلة لنقل البضائع والركاب ما يزال الأردن يشهد تخبطا وارباكا في التعامل مع ملف النقل والمرور. منذ عقود تخلت الحكومة عن مؤسسة النقل العام التي تأسست في سبعينيات القرن الماضي واحيلت مهامها لآلاف المشغلين من اصحاب الباصات والسيارات الذين تحكموا في ادارة وتشغيل الخطوط التي حصلوا على حقوق العمل عليها دون المراعاة الدقيقة لمعايير الجودة والكفاءة والالتزام.
في عمان وبقية المحافظات تتولى باصات الكوستر المملوكة لأفراد وجماعات متعددة مهام النقل العام من وإلى العاصمة وبقية المحافظات. السباق بين الباصات والمخالفات المتكررة لقواعد المرور والحمولات الزائدة وتغيير الاتجاهات مظاهر مزعجة ومنفرة يتحدث عنها الركاب في كل مكان.
بالرغم من توالي البيانات الحكومية والوعود المتكررة بقي المواطن الأردني يعاني من تدهور خدمات النقل والعديد من الارباكات المتعلقة بتوفرها وترددها وانضباطها وجودتها الامر الذي دفع بالجميع إلى البحث عن وسائل نقل ذاتية يمكن الاعتماد عليها. اليوم من الصعب ان تجد اسرة او شخصا عاملا لا يمتلك سيارة خاصة او يسعى إلى شرائها.
في عمان التي كان الناس يعشقون دواويرها والسير على شوارعها هناك ازدحامات واختناقات مرورية متكررة تشهدها العشرات من الشوارع والانفاق والجسور التي شيدت في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي.
تدني مستوى الخدمات وتوقف العمل بنظام النقل العام كانا من العوامل الاهم في دفع الناس لامتلاك وسائط خاصة للنقل وتفاقم ازمة المرور. في الأردن الذي لا يزيد مستوى دخل الفرد على اربعة آلاف دينار تشير البيانات إلى وجود ما يزيد على 1,6 مليون سيارة مرخصة يشكل امتلاكها وتشغيلها عبئا على دخل ومصاريف الاسر واغراقها في المزيد من الديون والازمات.
باستثناء بعض الطرق التي تأسست حديثا تعاني شبكة الطرق البالغة اطوالها 16 الف كم من مشكلات القدم وضعف التهيئة والتجهيز والازدحام الشديد وقلة الصيانة. الخط الصحراوي كان وما يزال احد اهم مصادر القلق وسببا رئيسيا للكثير من الحوادث القاتلة.
في الايام الماضية رعى رئيس الوزراء حفل انطلاق اول مشاريع النقل العام في العاصمة عمان. لا اعتقد اني الوحيد الذي تفاجأ بخبر انطلاق مشروع باص عمان فقد كنت كغيري اترقب الاخبار حول الحلول الجذرية لمشكلات المرور المزمنة والتي جرى الاعداد لها منذ عقود واستبشر الناس خيرا بتنفيذها كلما جاءت حكومة جديدة او جرى تنصيب امين جديد للعاصمة.
جولة الرئيس في الباص الجديد والعرض الذي قدمه امام كاميرات التلفزة يبعث شيئا من الامل في ولادة نظام نقل عام جديد يمكن الركون إلى ديمومته ودقة مواعيده ومهنية القائمين عليه. الخوف الذي يساور الناس ويزيد من القلق عائد إلى تجربة المواطن مع الوعود الحكومية وادراك الجميع لصعوبة نجاح التجربة في بيئة تفتقر إلى الخبرات والمعرفة والقدرات اللازمة لتقديم خدمات حضرية لائقة في مواعيد منضبطة وضمن اطر اخلاقية مهنية مناسبة.
انطلاق مشروع باص عمان دون تهيئة اعلامية وتعطل احدى الحافلات في اليوم الاول لتشغيلها نتيجة سوء الاستخدام مؤشران لا يبعثان على الطمأنينة ويصبان في خانة الرهان القائم على فكرة ان “المكتوب يقرأ من عنوانه”.
ايا كانت النتائج فإن ما قام به دولة الرئيس والحكومة خطوة مهمة وعملية على طريق حل المشكلات التي يعاني منها الناس ويدفعون ثمن التخبط التاريخي في معالجتها. نتمنى لامانة العاصمة النجاح في ادارة المشروع وتقييم التجربة وتجويد الخدمة ليسهل نقلها إلى بقية احياء ومناطق العاصمة قبل ان تتسع لتشمل مدن وقرى الاردن.