إننا في مرحلة تحد اقتصادي ومالي غير مسبوقة، مرحلة “الصمود الاقتصادي”، عبورها لن يكون سهلاً، ولا بد أن نسعى لأن يكون بأقل الخسائر. في هكذا مراحل، لا بد من إعلاء قيمة الصدق والمكاشفة والشفافية والعدل بإتخاذ أي قرار، وقول الواقع للناس بتجرد وبروح الشراكة في المسؤولية الوطنية، والابتعاد عن تزييف الحقائق وعدم مواجهتها، وبيع الوهم والاهتمام بالشعبوية وصالح الذات على حساب المصلحة العامة.
أول خطوة على طريق تحقيق الصمود الاقتصادي، ومواجهة واقعه الصعب، تشخيص ذاك الواقع بدقة وموضوعية، لا أن نستمر بحالة الانكار الواهمة التي يمارسها تنفيذيو الصف الأول.
غريب فعلا أن يخرج المعنيون التنفيذيون عن قطاعات اقتصادية معينة يتحدثون عن إنجازات وهمية بنفس فترة نشر أرقام رسمية تتحدث بعكس ذلك تماما. إما أن هؤلاء لا يقرؤون هذه الأرقام والتقارير مع أنها بصلب عملهم، وارجح ذلك فهي مرحلة اللاقارئين واللامتابعين، أو أنهم ممعنون بإنكار الواقع، وبيع الوهم للناس، وكسب الشعبوية التي ندفع وسندفع ثمنها كثيراً.
أي متابع موضوعي، وبصرف النظر عن موقفه السياسي من تنفيذيي المرحلة، سيصاب بالفزع عندما يرى قرار البلد بأيدي هؤلاء غير المتابعين وغير القارئين، والشعبويين، والمنكرين لحقائق دامغة ورسمية. قول الصدق، والاعتراف بالخلل، هو الطريق للطلب من الناس والقطاعات أن تتفهم وتصبر، وترص الصفوف لعبور مرحلة الصمود الاقتصادي، أما الاستمرار ببيع الوهم والبحث عن بصمة الذات على حساب الوطن، فهذا مضّر للوطن، يجنب المسؤول التنفيذي النقد ودوره كمصدّ، ليتوجه النقد للقطوف العالية.
أرقام مقلقة عن الواقع الاقتصادي الصعب للبلد صدرت عن الاحصاءات العامة ونشرات رسمية إخرى يتم التصريح بعكسها من “السياسيين” الرسميين. النمو الاقتصادي 1.8 % في الربع الثاني بعد أن كان 2.0 % في الأول، متناقصا عن المتوقع المخفض المقدر لهذا العام بـ2.5 %. زيادة بعجز الموازنة متوقع أن يسوء حتى نهاية العام هذا على الرغم من إلغاء بعض النفقات الاستثمارية. المؤشرات مقلقة تؤثر وتتأثر بمعدلات البطالة المرتفعة غير المسبوقة وصلت لـ20 %، ومعدلات فقر قفزت عن 15 %، ناهيك عن تأثير تلك المؤشرات على عوائد الخزينة وإيراداتها، الخزينة يطالبها الجميع بمزيد من الانفاق ورفع للرواتب وتقديم الدعم والاعفاءات.
هذا الواقع الاقتصادي الصعب جدا، يأتي مسببا بالظروف الاقليمية المستمرة بالتفاعل، والمستنزفة للموارد جراء ارتفاع تكلفة الحفاظ على الأمن عسكريا وأمنيا، واستمرار ضغط اللجوء السوري الذي يؤاكل معدلات النمو المقسومة رياضياً على عدد السكان. آخر تجليات تأثير إقليمنا العتيد علينا فتح المعبر البري الرئيسي بين العراق وسورية، وقد سبق ذلك بفترة فتح معبر عراقي سعودي، ويعلم العالمون مدى تأثير ذلك على قطاعات النقل والتجارة والزراعة وغيرها من القطاعات. يضاف للأوضاع الاقليمية استمرار بعض التشوهات الضريبية، وتعثر ملف الاستثمار لأسباب ضريبية وبيروقراطية وارتفاع أسعار الطاقة.
كما أن لاستمرار عدم الاجماع وغياب التركيز على قطاعات انتاجية محددة للأردن فيها ميزات نسبية، كالسياحة وتكنولوجيا المعلومات، تأثيرا أيضاً على أرقامنا الاقتصادية.