أسبوعان وتبدأ الإصابات بفيروس كورونا المتحور بالانخفاض، على ما صرح به وزير الصحة الدكتور نذير عبيدات بالأمس. قبل ذلك بأيام كانت التصريحات لمسؤولي القطاع الصحي تفيد أن الموجة العاتية مستمرة حتى نهاية الشهر الحالي، وفي قول آخر حتى منتصف الشهر المقبل.
ليست المرة الأولى التي نشهد فيها توقعات متضاربة، لكن الأهم من التوقعات، الحقائق الماثلة بين أيدينا، ومفادها أن وفيات وإصابات الأسبوع الماضي أعلى من سابقه، والأيام المقبلة ستشهد مزيدا من الارتفاع. مضت “جمعتان” على تطبيق حظر نهاية الأسبوع وزيادة ساعات الحظر الليلي، ولم يتبد له أثر ملموس بعد على المنحنى الوبائي. وفي ضوء المعطيات والتجارب السابقة مع الوضع الوبائي، فإن انحسار الموجة بعد أسبوعين وفق تقديرات وزارة الصحة، لا يعني نهاية الأزمة. بمجرد أن نسترخي قليلا ونشعر بالأمان، ستعود الإصابات إلى الارتفاع مجددا، وإذا استمر سوء الطالع يرافقنا كما مع السلالة البريطانية، فمن غير المستبعد أن تغزونا سلالة جديدة بدأت تثير فزع العالم. الأسابيع المقبلة ستشهد زيادة في كميات اللقاحات الواردة للأردن، هذا خبر مفرح، لكن الانتكاسة في سلاسل التوريد متوقعة، ومهما بلغت الكميات المتوقع وصولها، فإننا نحتاج لنحو ثلاثة أشهر على الأقل لشمول ما لا يقل عن نصف مليون شخص بحملات التطعيم. في الأثناء سيستمر نزيف الأرواح والإصابات، وستزداد الضغوط على القطاع الصحي بشقيه العام والخاص.
مقارنة مع معدل الإصابات في دول أخرى أعلى نسمة من الأردن، تبدو التدابير المتخذة هنا أخف بكثير من مثيلاتها في تلك الدول. في عموم دول أوروبا وأخرى عربية، ما تزال معظم القطاعات مغلقة، وساعات حظر التجول أطول. أما في الأردن فإن كل شيء يعمل كالمعتاد باستثناء خدمات محدودة جدا، كتقديم الأراجيل في المقاهي، وتعليق بعض الصفوف في المدارس إضافة إلى الجامعات، وتعليق خدمات صالات المناسبات. في اعتقاد الكثيرين هذه الإجراءات غير كافية لكسر الموجة الأشد من الوباء. إذا كنا جادين حقا في احتواء الوباء، إلى أن نتمكن من إتمام حملات التلقيح لأكبر عدد ممكن من المواطنين، لا بد من التفكير بحزمة ثانية من التدابير للحد من التجمعات والتواصل الاجتماعي، مع الاستمرار في تشديد الرقابة على المناسبات الاجتماعية كبيوت العزاء والأفراح، التي تسببت بزيادة ملحوظة في الإصابات.
مصفوفة الإجراءات المتبعة في الأردن صممت استنادا إلى خبرتنا مع الموجة الأولى من الوباء، لكن النسخة المتحورة من الفيروس، أسرع انتشارا وتصيب فئات عمرية أصغر حتى الأطفال، وتترك أعراضا صحية مؤلمة وطويلة المدى على المصابين، ومواجهتها تتطلب تحديثا على المصفوفة يتجاوب مع الطبيعة المتحورة للفيروس، وإلا فإننا سنفقد مزيدا من الأرواح.
ما الذي يمنع فيروسا نشيطا من مواصلة الانتشار إذا كانت الطرق مفتوحة أمامه باستمرار؟
الدول التي نجحت في كسب المعركة ضد الفيروس، هي التي فرضت إغلاقات شاملة لأسابيع، بالتزامن مع حملات تطعيم واسعة النطاق.