الثلاثاء، 13-12-2022
04:00 م
يرد وزير أسبق، برأي عميق، على قصة اللجوء إلى الأردن، حين تتحدث الأرقام عن عدد سكان الأردن الذي تجاوز 11 مليون شخص، ثلثهم تقريبا من الوافدين واللاجئين من عشرات الدول.
يقول الوزير الأسبق الدكتور أمين مشاقبة في تعليق له “هذه الزيادة غير طبيعية، وهؤلاء يعيشون على حساب المجتمع الأردني، في المياه والكهرباء والتعليم والصحة، وغير ذلك من مجالات، فإلى متى يدفع المواطن الثمن، أليس لدينا سياسة عامة لضبط هذا التزايد، وهذا اللجوء هو لجوء اقتصادي، وليس لجوءاً سياسياً، هل نحن غير قادرين على اتخاذ أي إجراء”.
في الإحصاءات تقديرات متباينة، تارة يتم الكلام عن عدد الجنسيات المصنفة كلاجئة من دول العالم، والتي تتجاوز الأربعين جنسية، فيما يبلغ عدد الجنسيات التي تعيش في الأردن بشكل عام أكثر من 56 جنسية، ما بين عامل ومقيم وطالب ولاجئ، وهذه ليست مجرد أرقام، بل تفرض نفسها على كل شيء، كما أن تصنيف هذه الأرقام من حيث طبيعة التواجد، مهمة أساسية.
يتوجب هنا الكلام بشكل صريح، لأن الأزمات في الأردن باتت معقدة، والكلام عن أكثر من ثلاثة ونصف مليون شخص غير أردني، لا يحمل كراهية، أو تحريضا مذموما، أو رفضا للآخر، لكن الأمر يرتبط بطبيعة الديموغرافيا الأردنية، وهذا الضخ السكاني، وضغطه على الخدمات والموارد وفرص العمل، وكلف السكن، وفاتورة الطاقة، وغير ذلك، فالقضية تتعلق بمدى احتمال البنية الداخلية لهذا الفيض البشري، في الوقت الذي يجب أن تكون فيه الأولوية للأردنيين.
ذات عشاء في بيت رئيس وزراء وكان في موقعه، سألته أمام ثلة من الزملاء، حول ملف اللجوء إلى الأردن ولماذا لا توجد معايير مسبقة، في إدارة هذا الملف، فأجاب إن هذه استحالة خوفا من رد الفعل العالمي السلبي لو تم إغلاق الحدود بوجه اللاجئين، من أي بلد، وظهر ليلتها، وكأن القرار ليس أردنيا، وحسب، بل يتأثر بجملة عوامل مختلفة، تفرض نفسها على الأردن.
لا بد من تصنيف أنواع المتواجدين بشكل دقيق، حتى لا يتم شمول الكل بذات النبرة في المعالجة السياسية في الأردن، فالعامل الوافد ومدى حاجتنا إليه، وتأثيره على فرصة الأردني، ملف منفصل يتوجب معالجته بدلا من هذا التراخي، والمقيم بسبب حرب لا يستطيع فعليا العودة بسببها، يختلف عن المقيم بسبب حرب توقفت، أو على مشارف التوقف، والمقيم لغايات الدراسة والاستثمار، يختلف عن الفئات السابقة، والمقيم لاعتبارات اقتصادية فقط، تتخفى وراء عناوين مختلفة، أمر حساس تتوجب معالجته، عبر إحصائيات التصنيف لهذه الجموع البشرية.
لا يوجد بلد في الدنيا يفتح حدوده دون حسابات دقيقة لهذا التدفق البشري، أو كلف ذلك على البنية الداخلية الاجتماعية والاقتصادية، وحين يقول الوزير الأسبق د. أمين مشاقبة، إن هذا اللجوء بات اقتصاديا، وليس سياسيا، فهو يؤشر على انتفاء أسباب اللجوء بسبب الحروب مثلا، لدى أعداد كبيرة، بما يعني ضرورة معالجة الملف، لتخفيف الضغط على الاقتصاد.
حساسية هذا الملف، أن القراءة الأولى لمعالجة ملف التدفق البشري على الأردن، قد توحي بكراهية للآخرين، لكنه في الحالة الأردنية، لا يحمل هذا الاتجاه، لأن الأردن ليس تحت امتحان لعروبته أو إنسانيته، فوق أن السؤال الأكثر جدارة هنا، لماذا يكون مطلوبا من الأردن دون غيره، أن يواصل إثبات قوميته، مثلا، أو إنسانيته، فيما دول أقوى وأغنى منه، اتخذت تدابير إغلاقية.
حل هذا الملف ليس بصناعة موجات تحريض ضد هذه الملايين، أو تحميلهم مسؤولية أي مصاعب اقتصادية، أو تغيرات اجتماعية، فهذا حل أسوأ من المشكلة، وربما الحل يكمن في إعادة النظر في تصنيفات التواجد البشري، والتدابير المتخذة بشأن كل نوعية، بما يجعل الأردن محافظا على طبيعته الأخلاقية، ويخفف الضغط على عصب الأردن، ولا يؤذي الآخرين أيضا.
الدعوات للعودة الطوعية بشأن فئات متعددة لن تؤدي إلى نتائج، لأن توصيف “اللجوء الاقتصادي” الذي استعمله د. مشاقبة يعد دقيقا في حالات كثيرة، والذي يعيش هنا، ويشتبك اقتصاديا، ليس من مصلحته العودة، في بلد يعاني أبناؤه في شربة الماء، وفرصة العمل.
في كل الأحوال هذا ملف تتوجب مراجعته، أمام الوضع الداخلي في الأردن.