في لقاء جرى مؤخرا بين بوتين وعدد من القادة العسكريين والإعلاميين، تحدث الرجل عن تقييمه للحرب الدائرة مع أوكرانيا، وكان تقييمه إيجابيا لصالح بلاده، وهو أمر يحتاج لكثير من التمحيص والتفنيد. يقول بوتين إن أهداف العملية الخاصة تتغير بحسب التطور الميداني ولكنها تظل كما هي بالعموم، وإنها عملية للدفاع عن النفس وروسيا ليست معتدية، وإن الغرب يستخدم أوكرانيا لمضايقة روسيا، وإن روسيا ستقضي قريبا على كامل الصناعات الدفاعية الأوكرانية، وإن الهجوم الأوكراني المرتد بدأ بالفعل منذ أسبوع، وإن خسائرنا أقل بعشر مرات من خسائر خصمنا، وإنهم فقدوا 160 دبابة وروسيا خسرت 56 فقط، ويقول إن أوكرانيا قصفت سدودا قبل أن نفعل نحن ذلك، وإن روسيا عدلت أنظمة دفاعها الجوي لمواجهة الطائرات من دون طيار، وإذا ما استمر قصف الأراضي الروسية بهذه الطائرات المسيرة، فستفرض روسيا منطقة عازلة منزوعة السلاح في أوكرانيا لكي يتم منع طائرات أوكرانيا من الوصول لموسكو، ويختم بالقول إن المرتزقة البولنديين يقاتلون بالفعل مع الجيش الأوكراني، وإنه يستهجن كيف لرئيس أوكرانيا ذي الدم اليهودي أن يقبل ويدعم النازيين الجدد.
ما قاله بوتين يعوزه أمران اثنان؛ الأول أنه ليس تقييما شاملا لحالة الحرب مع أوكرانيا، التي تقول التقارير من مراكز المراقبة الدولية الحيادية، إن النظرة الشاملة لها لا تعطي الغلبة لبوتين، كما حاول أن يصور، وإن التقييم الشامل يقول إن روسيا دخلت المستنقع الأوكراني ويتم استنزافها عسكريا بشكل يومي، وهذا ما لن تقوى على الاستمرار به. ثانيا، إن التقييمات الرقمية والتكتيكية أيضا تتعارض مع الحقائق كما تقيمها الدول المواجهة لروسيا، والأسلم تصديق هذه الدول لأنها ديمقراطيات لديها أدوات محاسبة ومراقبة ومتابعة، وليس كما هو الحال في روسيا بحيث لا يستطيع أحد محاججة أو مغالطة أرقام الرئيس وعلى الجميع تقبلها كما هي. اللافت في اللقاء حاجة بوتين لقول ما قال، لأن ذلك يدل على ضيق بما يحدث لجهة الخسائر وعدم الحسم العسكري، أو لتعاظم تململ الروس من تلك الحرب في أوكرانيا.
ما أغفل بوتين الحديث عنه أيضا، ذلك الجرح الأكبر والخسائر الاقتصادية اليومية التي يتكبدها بلده، وتلك هي الخسارة الحقيقية الكبيرة التي أبطأت نمو الاقتصاد الروسي وجعلته يتراجع، في زمن يعد فيه مقياس قوة الدول الأكبر، قدراتها الاقتصادية والتكنولوجية. روسيا تخسر وتتراجع كل يوم بسبب العقوبات، وخسارة 56 دبابة مقابل 160 للعدو لا تعدو كونها تفصيلا ثانويا لا يعتد به، ولا يؤشر على من هو الطرف الرابح بالمعركة، فالحرب الحقيقية هي تلك الاقتصادية التي أضعفت الاقتصاد الروسي، ولولا النفط لجثم الاقتصاد الروسي على ركبتيه. بعد سنوات من هذه الحرب الدائرة، ستدرك روسيا كم أنها أصبحت دولة عناصر قوتها الوحيدة النفط والسلاح النووي فقط، وهي لن تكون جزءا من منظومة التنافس العالمي على التكنولوجيا أو التقدم الاقتصادي. لا يبدو بوتين واعيا لذلك، فما يزال يستخدم الخسائر بأعداد الدبابات لكي يقيم الحرب التي أقحم بلاده فيها.