في كل رمضان، ومنذ سنوات، تزداد حدة المواجهات بالقدس وذلك بسبب تزامن الصيام والشهر الفضيل وعباداته والأعياد الدينية الإسلامية مع الأعياد اليهودية. هذا التزامن يشهد أعمالا استفزازية من مستوطنين تتنافى مع تعهدات الحفاظ على الأوضاع القائمة في القدس، والتي فيها مسموح أن يزور اليهود أو غيرهم الحرم القدسي الشريف، ولكن دون أداء أي طقوس دينية، وأن تتم الزيارات من خلال أوقاف القدس لا من خلال القوة القائمة بالاحتلال.
لا يتم في أحيان عدة الالتزام بالأوضاع القائمة، وتحدث الزيارات عنوة ما يجعلها تصبح اقتحامات، ولا يتم الالتزام بالزيارة على أنها زيارة، ويتسلل بعض المتشددين لممارسة طقوس دينية تستفز المسلمين المتعبدين في الشهر الفضيل فتحدث المواجهات ويبدأ العنف. مصلحة الجميع في الحفاظ على الأمن والاستقرار والهدوء بالمدينة المقدسة، وأن يمارس المتعبدون عباداتهم بحرية ودون استفزازات من أحد، وبغير ذلك فمواجهات متوقعة ستحدث في مسلسل عنف نراه في كل رمضان.
نحن في الأردن معنيون بالهدوء في القدس، وأن يكون الشهر الفضيل فرصة للتعبد وأعمال الخير والبر والعبادة، لا العنف والاستهداف، معنيون بذلك من منطلق الوصاية الهاشمية على الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية، ولأننا الرئة التي يتنفس منها الشعب الفلسطيني، ونحن الأقرب لأوجاعه وآلامه. قمنا بالسابق وسنقوم بتوظيف كافة أدواتنا المتاحة للذود عن حق المسلمين والمسيحيين بممارسة عباداتهم بأمان، وتشهد القدس وعقلاؤها على الدور الأردني القوي والمتقدم في الدفاع عن حقهم في العبادة؛ أذكر المعركة الدبلوماسية التي جرت حول نصب الكاميرات والجسور الحديدية، يوم وصل صراخنا الدبلوماسي إلى أقصى مدى رافضا ذلك إلى أن تم إزالة الكاميرات والجسور. لا نفعل ذلك إلا لأننا نرى ذاتنا رأس حرب الأمة في معركة الدفاع عن القدس، ونؤكد دوما أن السيادة فلسطينية لأن القدس الشرقية هي عاصمة الدولة الفلسطينية القادمة التي ستأتي لا محالة، ليحقق الشعب الفلسطيني مشروعه الوطني النضالي الكبير.
الأمة العربية والإسلامية صاحبة مسؤولية حول القدس وليس الأردن وحده، ومن الظلم والعار أن لا يتم إسناد الأردن في معركة الدفاع عن القدس. الأردن سيدافع إلى آخر رمق، ولكن ضمن إمكاناته المتاحة وحسابات مصالحه الوطنية، ولا ولن يقبل أن يزاود عليه أحد بدوره المتقدم والطليعي في الدفاع عن القدس وإسناد الشعب الفلسطيني.
للأسف، إن من أبناء جلدتنا وأحزابنا من يزاود على الموقف الأردني وهذا عار وظلم ودناءة. بل إن البعض يذهب للقول إن شرعية الدولة الأردنية والحكم فيها مرتبط بالدفاع عن القدس والقضية، وهذا أيضا كلام فيه من الخبث الكثير وليس صحيحا. نذود عن القدس ونسند القضية من منطلق فطرتنا الدينية والقومية، والارتباط العضوي التاريخي مع الشعب الفلسطيني المرابط الصابر، ولكن شرعية بلادنا ورواسيها العميقة ضاربة في الأرض والتاريخ ممتدة للثورة العربية الكبرى وقبلها آلاف السنين التي تعاقبت ممالك فيها على بلادنا. نذود عن القدس والقضية لأن لنا مصالح عليا سيادية مرتبطة بذلك، نريد الدفاع عنها وليس لأن شرعية دولتنا مستمدة من ذلك.