الأحد، 17-04-2022
02:44 م
كنت وما زلت عند
كل حنين أقف على برج قلعة عجلون، وأمد عيني غرباً؛ أعانق القدس حضناً لحضن. أراها
أدنى من مقلة العين، فتلمع في روحي قبتها الذهبية. وحين أصيخ السمع؛ ثمة صوت
فيروزي يشق الجبال، ويقطع الشريعة (نهر الأردن) ويأتينا حزيناً، فألهج معه دامعا:
عيوننا إليك ترحل كل يوم.
فسلامٌ عليكِ يا
قدس أقداسنا، سلام عليك ما صلى فيك طيرٌ، وما وَطَنَ فيك وردٌ. سلام عليك ما انحنت
(حورةٌ) لصلاتك، وانتشت (سروةٌ) لقرع أجراسك. سلام عليك أيتها المدينة الساكنة
دمنا ومهجنا، وسلام على من يهمز فينا براكين النزق من جديد.
لكن لماذا
يكسِّرون مجاديفنا ويثقبون قاربنا الصغير؟ لماذا يقطعون خيط أمل أخير في نوال كنزة
دفئنا؟ لماذا يطفئون شمساً نربيها كما يربى لهيب شمعة في الريح؟ لماذا يثبطون
عزائمنا ويحبطونها، ويقللون من شأننا في كل عمل نقوم به؟.
في كل مصيبة
جديدة يقولون إن تململنا أو صراخنا أو رفعنا وتيرة وجعنا: اصمتوا اسكتوا. أنتم
زوبعة في قعر فنجان. اعصار كأس شاي. أنتم بارود خالطه جليد مجروش.
يقولون: فتيل
احتراقكم متهتك، لا يمرر شرارة فيه. أنتم ظاهرة صوتية بترددات متهاوية تميل إلى
الخمول والنحول. تزمجرون كبركان أهوج ليلاً، وتصبحون خامدين كقتيل الثلج. حرارتكم
النوعية منخفضة تسخنون سريعاً كشهاب عابر، وكالطين في كانون تبردون.
يستكثرون علينا
العلامة الوحيدة من علامات الحياة: التململ، ورفض الموت كخراف المسالخ. يريدوننا
جثة مزرقة أرختها أصابع الموت، وسجتها كخرقة فوق التراب. يقللون من شأن انفعالنا
وحماسنا وغضبنا. يصفوننا بالسذاجة والهبل وقلة التعقل.
يقولون بأننا
ردة فعل فقط. ولم نكن يومنا فعلا أصيلاً. أقصى ما يستطيعه الواحد منا أن يغير صورة
صفحته على فيسبوك. نعم يا سادة ربما هذا ما نستطيع فعله الآن، ولا نستطيع فعل أكثر
من هذا. ولكن أرونا ماذا تفعلون أنتم غير انتقادنا وبهدلتنا؟. أنتم تعلنون موتكم
بشهادة وفاة موقعة ببرودة جثثكم ليس إلا. نعم يا سادة: هذا ما نستطيع فعله الآن،
وربما لا شيء أكثر. أن نغضب ونزمجر وأن نسخن. حتى ولو بردنا بعد ذلك، فسنسخن من
جديد، فهذه من علامات الحياة.
نحن في مواجهة
إنسانية ووطنية وقومية وأخلاقية طويلة الأمد مع عدو غشوم قوي متمكن له نفوذه
وهيلمانه وشراكاته المتينة. ونعرف أننا لا نستطيع في هذا الوقت المخجل أن نحرر
مقدساتنا وقدسنا وحريتنا. ولكن لماذا نخمد أو نهمد؟ لماذا نمنح أعداءنا ما يريدونه
من سكون المقابر وصمتها؟. دعونا نبقي الجمر متقداً.