جلسة نيابية مهمة ناقشت إعلان النوايا بين الأردن والإمارات وإسرائيل، مثلت تفاعلا ديمقراطيا حضاريا، يليق بنا وبمجلس نوابنا رمز الديمقراطية الأردنية. لم تخلُ الجلسة من بعض الاستشاطات والشعبويات، وفي أحيان غياب للموضوعية والمعلومة، ولكن في جلها كانت مثالا لما يجب أن تكون عليه الديمقراطية. لعب رئيس المجلس دورا محوريا في إنجاح الجلسة، فحافظ على هيبة مجلس النواب وضبط الإيقاع للصالح العام، وبما يتماشى مع النظام الداخلي، وأعطى الأصوات والتيارات كافة حقها في التعبير عن آرائها، بما في ذلك حق الحكومة كسلطة تنفيذية أن تطرح رأيها وتدافع عنه، وقد وفق رئيس الوزراء وهو يحاجج عن فعل الحكومة وتوجهاتها، بما أطر لاشتباك سياسي محترم بين السلطتين التنفيذية والتشريعية.
هذا ما كان يجب أن يكون عليه الحال منذ البداية، في هذه المسألة وفي شأن التعديلات الدستورية، خاصة مجلس الأمن الوطني، ليكون النقاش في نصابه الديمقراطي والمعلوماتي الصحيح. قبة البرلمان يجب أن تقوى وتؤطر النقاش الوطني العام، ففي ذلك خير ومصلحة للبلد.
خضنا العديد من القرارات الصعبة التي أقرت بالنهاية بطريقة ديمقراطية، كان أوضحها ما أشار له رئيس الوزراء من إقرار لمعاهدة السلام عام 1994 بطريقة حضارية ديمقراطية، رغم عدم شعبية تلك المعاهدة، لكن الرأي العقلاني هو الذي تسيد بالنهاية، فأقرت المعاهدة لأنها تخدم المصلحة العليا للدولة، ولم يمنع إقرارها استمرار الأردن بمواقفه السياسية القوية والثابتة تجاه القضية الفلسطينية، وحتمية إحقاق العدالة للشعب الفلسطيني، لا بل إن المعاهدة ساعدت وقوت من موقف الأردن الدولي في اشتباكه لصالح القضية العادلة للشعب الفلسطيني.
كان واضحا جليا أن منظومتي التنسيق والاتصال زادت فعاليتها في الأيام التي سبقت الجلسة، فاشتد الجميع لصالح بيان الموقف ومسوغات القرار، وقد أتى ذلك أكله وحقق المراد، بعد أن اتضح أن القرارات المفصلية المهمة لن تمر دون دفاع وحجة قوية تدعمها. استمر البعض وما يزال ببث المعلومات غير الصحيحة، منهم من ذهب جهارا نهارا ليعلن أن السدود تم تجفيفها لصالح إعلان النوايا، في سلوك مغرق حتى النخاع في نظرية المؤامرة ذات القبول في مشهدنا السياسي المحلي والإقليمي، وتناسى هؤلاء أن سدا واحدا تم تفريغه، بقرار معلن، خشية فيضانه، لتجنب الخسائر التي قد تترتب على ذلك.
وتناسى البعض أيضا أن الماء لا يأتينا من سورية ومنذ سنوات طويلة، ويا ليت أصدقاء سورية بيننا يشمرون عن أذرعهم ويقنعون الشقيقة أن تعطينا ماءنا، وغفل البعض أيضا أن التوقيع على إعلان النوايا، لا يعني بحال ألا نستمر بالمضي بأي مشاريع أخرى تجلب لنا الماء. هذه الأطروحات وغيرها، بعض من اللاموضوعية التي تجتاح فضاءنا في نقاش هذا الأمر، مدفوعة بالشعبوية وحب الكاميرات واللايكات مع كل أسف.
لا بد، بل وضرورة وطنية كبرى، أن نعقلن ونرشد النقاش العام، ليستند للمعلومة الدقيقة، وبغير ذلك فنحن لا نكون نقوم بواجبنا تجاه الوطن، ولا ننصفه أو نسهم بالارتقاء به لما نطمح.