اليوم يبدو أن الحكومة استسلمت للحقيقة العارية، فجملة واحدة للرئيس الرزاز عن الإنذار والإعذار تعطينا صورة عن الحيرة التي نعيشها يوميا، خصوصا عندما جربنا فتح المدارس وفي أقل من شهر تم إغلاق أكثر من مئة وعشرين مدرسة حتى الآن ويبدو أن الإغلاق الكبير للمدارس،والجامعات قبل أن تُفتح، سيكون الخيار الأفضل، وهذا ينقل المسؤولية من عاتق الحكومة والمؤسسات التعليمية الى كاهل الأسرّ التي ناءت بها الأحمال.
في الأردن على الأقل بين العرب، يمرض أحد أفراد الأسرة بالسرطان، فيخفي الجميع المعلومة وكأنه عارٌ أصاب العائلة، ومن المحزن أحيانا أن يعلم الجميع بسرّ مرض الشخص إلا المريض نفسه، أو قد يعلم بعد فوات الآوان، وهذا ما يحدث لنا في الحكومات كلها بالمناسبة، هناك مرض يفتك بها وهي بين حالتين، إما أنها لا تعلم وتتعامل على أن عمرها سيطول سنوات طويلة، وإما أنها تعلم ولا تملك أي خطة إنقاذ، وكلما وصلت لمرحلة انفراج تعود الى نقطة الصفر.
كنا ندرك منذ اليوم الأول للإصابات قبل أشهر أن الفضاء لا يمكن معالجته بالمطهرات والقضاء على الفيروس،ولكن للجهل بخط سير الفيروس قامت الحكومة بإجراءات تجريبية من عزل وإغلاق جزئي حتى الإغلاق التام وتوزيع التهم على القطاعات وحبس الناس في بيوتها، وكل ذلك لم ينفع في احتواء المرض، بل كانت الآثار الجانبية للعلاج المجتمعي أسوأ من الإصابة بالفيروس، ورغم كل التجارب غربا وشرقا وفي أعرق الدول علما وطبابة ً فقد دفع الجميع الثمن.
لقد غرقت كافة الأجهزة الرسمية في البحث والتحري والإجراءات الصارمة والصادمة احيانا للوصول الى وقف النزيف الفيروسي، وهذا أعاق الحياة كلها، في المقابل ورغم تزايد أعداد الوفيات، نجد أن غالبية المتوفين يعانون من إعتلال في الصحة العامة أصلا، وبينما وصل عدد المصابين الى 3314 إصابة،حتى كتابة هذا المقال أمس،نجد أن عدد حالات الشفاء مرتفع الى 2206 حالات، وعدد الوفيات 24 وفاة خلال خمسة أشهر ونصف،غالبيتها خلال الشهرين المنصرم والحالي، وهذا يوضح أن الفيروس ليس قاتلا بالضرورة، ولكنه يؤثر بشكل حاد على صحة المصابين مستقبلا.
لا أعتقد أن الحكومة تركت مخرجا ولم تفكر به، ولكنها أشبه بالشيخ الطاعن الذي يحلم بالزواج من عشرينية لتلد له بطلاً يفاخر به، والمشكلة أنها لاتعلم مشكلتها أو تعلم ولا تدري ماذا تفعل، فلم يعد أمامها إلا أن تتعامل مع الجنّ ليساعدوا في حل تدهورنا الصحي والاقتصادي والسياسي، وكأنها تعاملت معهم فطُمس على أعيننا، وإلا فكيف لا تزال تتنفس تحت الماء، اللهم لا حسد، وتنتظر إجراء الانتخابات النيابية وتأجل الانتخابات النقابية، وتوقف التعيينات وتبحث عن فرص عمل للمتعطلين، وتقرر فتح المطار للقادمين وتغلق المنشآت السياحية، وهذا السرّ الكبير يحتاج الى بخور كثير، واتمنى للحكومة النجاح حتى لو تعاملت مع الجنّ حقيقة، فأي خطأ وما أكثرها، سندفع ثمنه جميعا.