أعلنت الحكومة عن حزمة إجراءات مالية محفزة للاقتصاد، تتضمن ضخ أموال وإنفاقا، وتسهيلات وإعفاءات، تصل قيمتها ما يقرب من نصف مليار دينار (448 مليونا). هذا رقم ضخم يتوقع أن يؤثر على معدلات النمو رافعاً إياها بمعدل نقطة الى نقطة ونصف مئوية. زيادة النمو ستنعكس حتما على معدلات البطالة والفقر خافضة إياها، وتؤثر على عوائد الخزينة التي تستفيد من زيادة النشاط الاقتصادي حيث تزداد إيراداتها المباشرة وغير المباشرة. هذا إجراء مالي توسعي كبير بالمعايير الأردنية، وهو منطقي عملت به كثير من دول العالم، وكنا نظن أننا غير قادرين على فعله بسبب ظروفنا المالية والاقتصادية الضاغطة، لكن يبدو أن القرار المالي وجد وسيلة لتوفير المال لمثل هذا الإنفاق التوسعي الباث للحياة في الاقتصاد.
السؤال الكبير المطروح: من أين أتت الحكومة بكل هذا المال؟ وهل ذلك متسق مع برنامج الإصلاح المالي والهيكلي الممتد مع صندوق النقد الدولي؟ لا يوجد إجابة شافية، لكن يبدو أن تمويل هذه الحزمة تأتى من مناقلات بين بنود داخل الموازنة لم تنفق أموالها بشكل كامل، وهذا يحدث باستمرار في مالية الدولة، ومن عوائد إنفاق هذه الحزمة التي سيعود قسم منها لا يقل عن مائة مليون على شكل إيرادات للخزينة مباشرة وغير مباشرة، وتأتى أيضا من تحصيل الضرائب المتوقع ارتفاعه بعد أن أعفت الحزمة المدينين بالضرائب للدولة من الغرامات المترتبة عليهم إذا ما دفعوا أصل مبلغ الضريبة. يضاف الى كل ذلك بعد تطميني آخر، وهو أن صندوق النقد أنهى للتو توافقا مع الحكومة على مستوى الخبراء، ما يعني أنه يعلم، أو بصورة، أو على الأقل سمع عن حزمة الحكومة التوسعية ولم يعترض، رآها متسقة مع التزامات الحكومة الإصلاحية. هذا مطمئن وهي بالفعل شهادة بحق الأردن وإدارته المالية، ومصداقيته العالية بالإصلاحات الاقتصادية التي جعلت من الأردن بلدا مستقرا ماليا بعكس عديدين حوله.
الحزمة التوسعية منضبطة لأنها سعت إلى ألا تزيد عجز الموازنة وبالتالي المديونية، وهذا غاية في الأهمية، ولذا تعد ثاني أفضل قرار للحكومة بعد زيادتها الطاقة الاستيعابية للمستشفيات. هي خطوة بالاتجاه الصحيح ستكون حكما ذا أثر إيجابي على الناس ومعيشتهم. في المرحلة المقبلة لا بد من الاستمرار بهذا النمط من التفكير، واجتراح خطوات تخفف عن الناس، وإذا كانت الخزينة لن تقوى على المزيد من الإنفاق، فالانفتاح الاقتصادي للقطاعات وبالسرعة الممكنة لا بد أن يكون الهدف المنشود. دول عديدة تسير بشكل واضح وثابت لفتح اقتصاداتها قريبا لأنها وصلت إلى مراحل متقدمة في حملاتها التطعيمية. بريطانيا فتحت اقتصادها وعادت الحياة لطبيعتها، الإمارات، السعودية، وأميركا تسير بالاتجاه ذاته وجل الدول الأوروبية. لا بد من تركيز شديد على برنامج التطعيم، لأننا سنكون في أزمة محرجة أمام الرأي العام إذا أنهى العالم وفتح الاقتصاد ونحن نراوح مكاننا. نحن مقبلون على أزمة مع نهاية رمضان وبداية فصل الصيف إن لم نكن قد أنجزنا تطعيم غالبية السكان.