السبت 2024-11-23 23:49 م

حليته..

12:53 ص
كنا نزرع بندورة، زراعة بعلية، ونشقى جميعا، انتظارا للموسم، واحيانا كنا نبيع كيلو البندورة البعلية بقرش واحد، ولم يبلغ سعره في أحسن الأحوال ?? قروش، وكنا نؤمن بأن الرزق على الله، ولا نحسب جهدنا العائلي، حيث كنا جميعا نعمل في (المقثاة)، والدي رحمه الله يحرث الأرض (ع العود)، وبواقع ?? الى ?? حرثة، وكان لدينا (مساكب)، ننتقي افضل البذور وندخرها حتى بداية الربيع، نزرعها، ثم نبدأ في منتصف نيسات بعملية الزراعة، ولو احتسبنا مقدار او زمن العمل على كل شتلة لوحدها خلال الموسم، ودون احتساب مدة تلقيط البندورة، لكان مجموع الشغل على الشتلة الواحدة حوالي نصف ساعة، بين تتليم، ثم حفر جور في التلم، ثم صب القليل من الماء، وبعدها نضع الشتلة فيه، ثم نضيف قليلا من الماء، وبعد أن تتشربه الجورة نقوم بطم الجورة حول ساق الشتلة، وبعدها نضع خليط من (الفلدور والنخالة) على هيئة دائرة تحيط بالشتلة، لحماية الشتلة من الخنافس والحشرات الأخرى، وبعدها نجمع (كَتَراً)، ونقوم بعمل (خم) حول الشتلة الحديثة الزراعة، وننتظر حتى تبدأ بالنمو، فنزيل الخم عنها، وبعد فترة نقوم بالنكش حولها والتعشيب، ثم يقوم والدي بحراثة الارض كلها، دون المساس بالشتل، وبعد فترة قصية نسبيا نبدأ بعملية (التقبير)، نحفر حول الشتلة ب(منكاش)، ونميلها باتجاه الشرق (الشمس)، ونضع الكثير من التراب (نقبرها) من الجهة الغربية، وما هي الا أيام لنرى الشتلة يتضاعف حجمها، ثم تبدأ تطلق ازهارا صفراء، فنقوم بوضع (الكبريت) عليها، ونراقب النمو، فإن لاحظناه بطيئا، نعيد الحفر تحتها من الجهة الشرقية، ونفن جزء من ساقها، فتنطلق تثمر، وتبدأ (المحاحاة)، حيث لكل منا نحن الأطفال، جزء من مساحة المقثاة، نصحو قبل الطيور لنقف فيه حتى وقت الظهيرة تقريبا، نطرد الطيور، ونمنعها من أن تحط في المقثاة فتخرب المحصول... وكنا نبتهج حين نبدأ بالقطاف، ويشقى والدنا رحمه الله بالتسويق في القرية والقرى المجاورة، وفي شهر ايلول وتشرين كانت تأتي (بكبات ديانا) من عمان، تشتري كل الموجود، وكنا نقطف البندورة ونملأها في (بكس) من الخشب، كنا نلقط ونجمع أكثر من ? طن من الثمار أحيانا.


حين تداهمنا (الشتوية)، كنا نحن الأطفال نفرح، فهذا موعد الرحيل للقرية، وترك البر، بينما كان وجه والدي ورغم محبته للمطر الا أن وجهه كان يمتقع حين تصيب (الحليتة) المقثاة، فتحيل شتل البندورة الى سواد، فنقوم بتلقيط الثمار الخضراء، وندفنها أحيانا بالتبن، ونسمع حوقلة والدي ووالدتي على موسم من التعب انتهى ولم يتريث قليلا.

الصقيع يضرب كل عام في المزارع القائمة، وتنتاب المزارعين حالات من الغضب والخيبة، فمزارعهم مروية وفي بيوت بلاستيك ومكلفة جدا، فهم يتعرضون لمصيبة حقيقية حين يضرب الصقيع مزارعهم، ويبدأون برفع أصواتهم شكوى للحكومة وغيرها، وفي كل مرة يضرب الصقيع مزارعهم، تقوم الحكومة بتعويضهم من صندوق المخاطر الزراعية، الذي كان لا يشمل سوى المزارعين الذين ضرب الصقيع مزارعهم، وفي توجهات وزارة ووزير الزراعة الحالية، تم التوسع في مهام هذا الصندوق، ليشمل تعويضات عن أضرار أخرى غير الصقيع.. كالفيضانات والرياح والمرتفعات الجوية...الخ، وكلها ظواهر طبيعية تضرب في كل الدنيا، وليس للحكومات ولا حتى للجيوش من طاقة لمنعها..

الحكومة ومن خلال وزارة الزراعة، قررت تعويض المزارعين الذين تضررت مزارعهم من موجة الصقيع الأخيرة، فجرى تشكيل لجان لحصر الأضرار، وسوف تخرج بنتائجها قريبا، وكذلك تم التعديل على نظام صندوق المخاطر الزراعية، والنظام موجود لدى الحكومة وسيتم اقراره قريبا، وكذلك ثمة فكرة رائدة لدى وزير الزراعة، اقترحها منذ وزارته الأولى، وهي تتلخص بأن يتم البحث عن نظام (تأمين) مناسب لتعويض المزارعين، وأن تكون هناك مؤسسة تشبه في عملها شركات التأمين، وهذا مشروع قد نشاهده على أرض الواقع ضمن الخطة الزراعية الوطنية المستدامة.. التي سنذكرها كثير في مقالات قادمة.

gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة