أثارت التعديلات المقترحة على قانون هيئة مكافحة الفساد وهي قيد البحث في مجلس النواب انتقادات تركزت خصوصا من الوسط الاعلامي على التعديل المتعلق بتجريم نشر معلومات كاذبة.
لكن رئيس هيئة مكافحة الفساد اعتبر في تصريح صحفي ان الهيئة مستهدفه بحملة منظمة ولعله يعتقد – كما فهمت منه – أن الهجوم على التعديلات المقترحة على القانون هي مجرد ذريعة لهجمة على الهيئة تنتهي خيوطها عند اوساط تضررت من الأعمال الجريئة للهيئة في ملاحقة فساد مراكز نفوذ كانت تعتبر حتى الأمس محصنة وغير قابلة للمس. وهي طالت بعض امبراطوريات البزنس بل وقبلها فتح ملفات كانت مركونة ومغلق عليها في «القاصة».
يحدث احيانا ان اوساطا معارضة واقلاما شريفة تجد نفسها على غير قصد منها اداة بيد قوى خفيّة متنفذة في الحرب المحتدمة في السرّ ضد جهود مكافحة الفساد . ولا نستبعد ان هذا يحدث اليوم مع الهيئة، وهو ما يجب ان نكون على وعي، فلا نضعف ارادة الهيئة رئيسا وأعضاء ونضعف عزيمتهم.
هذا لا يعني تمرير التعديلات كيفما تكون وقد قرأت مطالعة للوزير ورئيس ديوان التشريع السابق العجارمة تبدي تحفظات قانونية ودستورية يتوجب اخذها بالاعتبار وانا لست خبيرا بالشأن لكن جوهر الأمر أو جلّه يتعلق بحصول الهيئة على صلاحيات وأدوار هي من صلب اختصاص القضاء مثل التوقيف ومنع السفر والحجز على الأموال المنقولة وغير المنقولة. وربما يتوجب ايجاد طريقة اخرى لتلبية حاجة الهيئة لتسريع الاجراءات قبل ان يتمكن المتهم أو الطرف موضع التحقيق من الافلات بنقل الملكيات او مغادرة البلاد او تحقيق جوهر الهدف المنشود دون وجود شبهات دستورية وقانونية في النص.
أما النقطة التي اثارت الوسط الاعلامي والهيئات المدافعة عن حرية الصحافة والتعبير فهي باختصار تجريم نشر معلومات كاذبة بحق أي شخص مادي أو معنوي بقصد تحقيق منفعة له أو الإضرار به. هذا النص يحتاج الى تفكيك واعادة صياغة يمنع اي شبهة وتثبيت ما يفترض انه القصد الأصلي وهو تجريم الأعمال المساندة للفساد عبر النشر والاعلام. فالنص كما هو يوحي كأن الهيئة ذهبت الى اختصاص لا يخصها وهو جرائم النشر التي يعالجها قانون المطبوعات والاعلام وهو ايضا موضع خلاف، والهيئة لا تحتاج ولا يخدمها التصدي لهذا الأمر. الأصل ان المقصود هو التصدي لأمرين هما النشر الذي يروج معلومات كاذبة بقصد تضليل الناس ودعم عملية فساد أو النشر لابتزاز اناس ومؤسسات مستقيمة لتحصيل أموال أو منافع منهم او دفعهم لممارسة الرشوة والتنفيع اتقاء لشر الناشرين. واعتقد ان مصدر البلبلة التي اربكت النصّ واثارت الشكوك هي جملة يمكن الغائها اذ اضافت اغتيال الشخصية والاضرار بالسمعة والمركز الاجتماعي كجريمة بذاتها وهذا ليس شأن الهيئة بل يدخل في جرائم المطبوعات والنشر وهي ايضا خلافية كما قلنا لجهة عمومية النصر القابل للتفسير بطريقة تقيد حرية التعبير.
يمكن ببساطة تنقية النص من شبهة التعدي على حرية التعبير دون التضحية بكل التعديل على المادة 16 حيث الفقرة الثانية منه تكافح بصورة محددة فساد الواسطة والمحسوبية عندما جرمت «استغلال النفوذ لتمكين شخص الحصول من الادارة العامّة على وظيفه او خدمة أو عطاء أو اي ميزة غير مستحقة».