لا احد يعرف القيود على الحركة واثارها النفسية على الانسان كما يعرفها الاردنيون واشقاؤهم ابناء فلسطين المحتلة. الحاجز والمحسوم واشارات ممنوع المرور وصفارات الانذار واجراءات التفتيش الدقيق والعابر مظاهر الفها الناس واعتادوا التعامل معها. على امتداد الاراضي الفلسطينية المحتلة زرعت مئات الحواجز وبني جدار للفصل وشقت طرق خاصة تخترق حدود البلدات الفلسطينية ولا يسمح لاهلها باستخدامها. المسافة بين مدينة فلسطينية واخرى وقرية وقرية تحسب بعدد الحواجز «المحاسيم» اكثر مما تعد بالكيلومترات لان الوقوف على كل منها اجباري وقد يطول لساعات او ينتهي باللامرور.
خارج الاراضي المحتلة تم التحول من حالة الحرية في الحركة والتنقل الى اوضاع الحظر والحجر والعزل بعدما نجحت برامج تشويه الصورة الذهنية للعرب والمسلمين في انتاج احداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 والصاقها بالدين والعرب ومهدت الى ايجاد ثقافة التشكيك والحذرالتي تطلبت تكثيف الرقابه ووضع القيود على حركة وتنقل جميع الجنسيات والاعراق مع التشدد وفرض محاصرة اضافية وتدقيق تفصيلي قبل السماح لاي شخص يظهر بملامح وسحنة شرق اوسطية او اسم عربي. منذ ذلك التاريخ والعرب والمسلمين في دائرة الاتهام يخضعون لكل انواع القيود والتدقيق والرقابة يواجهون المنع من السفر تارة و الاعتقال لمجرد الاشتباه في الاسم او الملامح تارة اخرى.
اليوم ومع انتشار الوباء ومحاولة استعارة الدول لمفهوم الامن والرقابة المشددة وتطبيق ذلك في استراتيجيات الوقاية والمنع والمكافحة للوباء يعبر بعضهم عن تذمرهم من هذه الاجراءات ويبدون ضجرهم من القيود التي وضعتها الدولة على حرية التنقل والسفر باعتبارها اجراءات تحد من الحرية الشخصية وتحرم الافراد من حقوق اساسية لهم.
الحقيقة التي لا يعرفها ابناء الجيل الجديد ان السفر لم يكن بندا على قوائم النشاطات والفعاليات التي تقوم بها الاسر الاردنية. الكثير من الاباء والاجداد ولدوا وعاشوا وانتقلوا الى الرفيق الاعلى دون ان يغادروا حدود قراهم وديارهم. قلة من الاسر واعضاء النخبة السياسية والاقتصادية اتيح لهم السفر خارج الحدود لفترات محدودة او هجرة لم يعودوا بعدها. في حالات قليلة كانت بعض الاسر تسافر الى سوريه او العراق للقاء الاهل والعودة بعد ايام.
باستثناء الحج والعمرة التي تطمح الغالبية ان تتاح لهم فرصة ادائها امضى السكان في الاردن ممن ولدوا وعاشوا قبل ثمانينيات القرن الماضي اعمارهم داخل الحدود حيث تلقوا التعليم في معاهده وعملوا في المؤسسات الاردنية وبقيت غالبيتهم متعلقة بالبلاد لا ترغب في مغادرتها وتهرع للعودة اذا ما الزمتها الظروف على السفر او الاغتراب.
حتى سبعينيات القرن الماضي انحسر السفر والتنقل في اوساط طلبة العلم والمهاجرين الا انه شهد ازديادا ملحوظا بعد ارتفاع اسعار النفط وتضاعف عائدات بيعه وازدهار اقتصادات دول الخليج العربي وما تطلبه ذلك من استقطاب لملايين الكفاءات العربية وعير العربية للعمل فيها. اليوم يوجد ما يزيد على مليون اردني في بلدان العالم المختلفة ويستضيف الاردن ما يقارب الثلاثة ملايين مغترب ومهاجر الامر الذي يجعل من الحركة والتنقل عنصرا مهما وحاجة اساسية ومطلبا شعبيا.
المشكلة التي نواجهها اليوم هي في اقناع بعضهم بالتكيف مع متطلبات الامن الصحي والتدرب على التخلي عن عادات وممارسات لم يعد من المفيد ممارستها في ظل هذه الاوضاع. اصرار بعضهم على السفر والحركة والاستهانة بتطبيق فكرة التباعد مخاطرة تستوجب التدخل والتأثير لكي لا نقع جميعا ضحايا لمغامرات من لا يودون التخلي عن هواياتهم.