باستثناء عدد قليل من خطابات الكتل وبعض النواب، جاءت خطابات النواب لمناقشة قانون الموازنة رتيبة ومكررة شعبوية تتحدث للقواعد الانتخابية وتغالي بتشخيص سوء الحال المالي والاقتصادي، متناسية أن البلد في حالة حرب بالمعنى الحرفي للكلمة وان صمتت في هذه الحرب اصوات المدافع والصواريخ. ومن منا يتابع انهيار الاقتصاد اللبناني، وكيف ان العراق الغني بالنفط يعاني الفقر والبطالة، لا يملك الا الاستنتاج ان واقعنا صعب ولكنه ليس الاصعب. هذا لا يعني التغني والفرح بما نحن فيه، ولكن شيئا من الموضوعية من قبل مشرعي البلد كان مطلوباً.
من يحاول تبويب خطابات النواب يجدها ضمن أربع خانات: الاولى استثمرت المنبر وقدمت خطابا سياسيا تشخيصيا لواقع الحال وموقفا تجاه قضايا الوطن الملحة وهذه قلة قليلة، وثانية تحدثت بتفاصيل الموازنة الفنية وبعض بنودها مشككة ومهاجمة تلك البنود ومن خلالها خطة الحكومة الاقتصادية، وثالثة ركزت على عناوين محددة سياسية اقتصادية مثل تلك المتعلقة باتفاقية الغاز في عين على قادم الايام من انتخابات التاسع عشر، وفئة رابعة أخيرة ألقت خطبة الوداع في توديع للمنبر وهي الفئة التي لا تنوي الترشح من جديد او تعلم ان حجم الاداء لن يسهم بإعادة الانتخاب.
الجو العام لهذه الخطابات وجل الرسائل المنبثقة عنها سلبية سوداء عززت فجوات الثقة دون ان تقدم بديلا. سيلا من النقد والتوصيف البليغ لواقع الحال الاقتصادي المتردي دون أن يتبع ذلك باقتراحات بعيدة عن العموميات التي نتمناها جميعا. خطابات واقتراحات منسلخة عن الواقع التطبيقي وفي عديد من الاحيان تكرر وتوظف معلومات مغلوطة. ماذا لو ركز النواب وتوافقت كتلهم على بند او اثنين من الموازنة تطلب تعديلها وتقايض ذلك مع تمرير الموازنة كما يحدث في برلمانات العالم؟ لماذا لا يحدد النواب مجالاً واحداً وارداً في الموازنة ويطلبون شطبه لكي تعالج مشكلة العجز؟ هذا لا يحدث مع كل أسف وتجد أي حكومة نفسها مضطرة للتعامل مع عشرات الاقتراحات والمطالب فتكتفي بالوعد بدراستها، ويضطر مجلس النواب لقبول ذلك ويكتفي بالتصويت على “توصيات” يرفقها مع قانون الموازنة تصبح لاحقاً مجالاً للسجال بين النواب والحكومة.
نفوت في كل عام فرصة إقرار القانون السنوي الاهم لكي نخوض نقاشاً إستراتيجيا توعويا يطور البلد ويرفع الوعي الاقتصادي العام عند الناس. كم كنت أتمنى أن أرى نوابا وكتلا يقولون لنا رأيهم في احجية أرقام البطالة المرتفعة بالتوازي مع أرقام عمالة وافدة مرتفعة، أو لماذا انتاجية العامل الاردني أقل بكثير من غيره الآسيوي، أو لماذا لدينا حجم قطاع عام متضخم يضاهي ذاك الموجود بالدول النفطية، او لماذا يستمر الدعم العشوائي في بعض القطاعات رغم انه غير عادل ولا يذهب لمستحقيه ويرهق الخزينة. هذه عينة بسيطة من مشاكلنا الاقتصادية التي نحتاج كمجتمع لنقاشها بصراحة ومصداقية وبعيد عن الشعبوية ونقاش قانون الموازنة المناسبة السنوية المثالية لفعل ذلك.