يسجل لها الشيء الكثير والمحترم: هي أكبر من خطة؛ حيث تمثل رؤية الدولة الأردنية الاقتصادية للنهوض بالاقتصاد على مدى العقد المقبل، وهي رؤية تأتي بتوجيه وضمانة ملكية جعل منها استراتيجية معلنة عابرة للحكومات سيكون مطلوبا كثير من التفسير والتبرير لأي حكومة تغيرها أو تتلكأ في تنفيذها، وهي رؤية أتت بالتشارك مع القطاع الخاص الذي أسهم بالاقتراحات والنقاشات والحلول، وبالرغم من شكوى بعضه أنه لم يحصل على كل ما يريد، لكنه كان حاضرا ومشاركا وإن لم تؤخذ اقتراحاته كافة فهذا طبيعي ومنطقي، ويعكس ضعف المقترحات وطمعها ربما وليس عدم الرغبة بالاستماع لها أو الأخذ بها.
والخطة تأتي أيضا ضمن مؤشرات قياس محددة زمنيا ما يسهل رقابة تنفيذها، كما أن ثمة وحدة بالديوان الملكي ستكون معنية بمراقبة التنفيذ، وهي وحدة فنية بحتة ليست بديلا للحكومة ولا تزاحم المسؤول قراره، وإنما تقول بحيادية وموضوعية ما تنفذ وما لم يتنفذ من الخطة.
ويحسب للخطة الاقتصادية أنها واقعية استندت لما يمكن فعله وإنجازه ميدانيا، ابتعدت عن التنظير والإنشاء، آخذة ومتعلمة من تجارب سابقة أغرقت بالوعود والإنشاء. وأخيرا، فالخطة تعاملت مع القطاعات عموديا وأفقيا تجاوزت واقع الجزر المعزولة الذي يعرف ويفسر الكثير من أداء مؤسساتنا ووزاراتنا.
هذا ما يحسب لرؤية التحديث الاقتصادي، أما ما يحسب عليها فهو أيضا مهم وجدير أن نتوقف عنده ونأخذه بعين الاعتبار: فالرؤية وإن كانت تمثل جهدا محترما تشاركيا عمليا وفكريا، إلا أنها قد تعاني من ضعف التنفيذ، ولسان حال الناس أو حتى القائمين على إعدادها أن العبرة تبقى بالتنفيذ، وعلينا أن نعترف وبصراحة أننا بارعون بالتخطيط وإعداد الرؤى، وضعيفون بالتنفيذ لأسباب بيروقراطية وأخرى سياسية ترتبط بضعف المسؤول وعدم ثقته بنفسه وبحثه عن بصمة حتى لو كانت على حساب نسف الاستراتيجيات التي ورثها.
نخفق عادة بإكمال آخر عشرة أميال من الألف ميل الذي نقطعه وهذا ينسف كل الجهود مع كل أسف وتسود روح التبرير وكلام الاعتذار.
أما التحدي الآخر الذي يواجه الخطة فهو آلية الرقابة عليه، والوحدة الموجودة بالديوان الملكي لن تكون كافية ولن تقوى على الوقوف بوجه الحكومات، لذا وجب وجود جهد مؤسسي من الإعلام والبرلمان ومؤسسات المجتمع المدني التي راكمت قدرة رقابة احترافية مهمة في هذا الصدد.
ومن التحديات الأخرى، أننا فوتنا فرصة وما نزال، بتنوير الرأي العام عن واقع الاقتصاد وفرصه وتحدياته، وما يقدر عليه وما لا يقدر عليه، ولو فعلنا، لعقلنا النقاش وسقف التوقعات ورشدناها، حيث تعد الفجوة التي يعاني منها سقف توقعات الناس الاقتصادية سببا أساسا للفجوة العامة بالثقة الموجودة.
أما آخر التحديات، فذاك المتمثل بضرورة وجود والإعلان عن خطط تنفيذية لترجمة الرؤية بعد أن اتضحت الحاجة لعشرات الخطط التنفيذية للقطاعات كافة التي تناولتها الرؤية.
أجواء عامة إيجابية تجاه الرؤية الاقتصادية للدولة لا يعيبها من لا يرون إلا السواد ولا يفرحون لنا حتى عندما نعلن عن رؤية.
العبرة تبقى بالتطبيق، والتنفيذيون المعنيون لا يجب أن يناموا الليل، لأن الإخفاق بالتنفيذ ستكون عواقبه السياسية والاقتصادية كبيرة لا أحد يريدها.