لا يكفي إشادة المجتمع الدولي والمانحين والمؤسسات العالميّة باستقرار الاقتصاد الوطنيّ في ظل منطقة إقليمية مأزومة سياسياً وأمنيا واقتصاديّاً، فالحفاظ على الحالة الراهنة أمر إيجابي لكنه لا يحقق المرجو من السياسات الاقتصادية وهو تحقيق نمو مستدام مصحوبا بعدالة تنموية واجتماعية واقتصادية.
نعم الأردن حافظ على استقراره الاقتصادي وصمد في كل الأزمات، وهذا ما يدفع بصانع القرار باستغلال هذه الميزة بتوظيفها بالشكل الصحيح نحو الإصلاح الداخلي. فالدعم الدولي للاقتصاد الوطنيّ ليس أمراً مستداماً، وقد يتحقق في هذه الفترة ويزيد على المقدر، لكنه قد يأتي يوم من الايام ويتراجع كما حدث في فترات سابقة، وهذا أمر طبيعي، لان المساعدات تبقى في النهاية أحد أبرز أدوات السياسة الخارجية العالمية، وتطوراتها مرتبطة بمواقف الدول ومدى انسجامها مع سياسات المانحين على وجه الخصوص. داخليا الحكومة مطالبة اليوم بتوظيف حالة الاستقرار بمزيد من العمل الإصلاحي الداخلي، فالأردن نجح بالصعب وبقي عليه السهل، نجح بالأمن والاستقرار، وما يزال ضعيفا في الإصلاح الداخلي خاصة بالشأن الاقتصاديّ. اقتصاديا مطلوب تحرك حكومي سريع على أكثر من محور، أهمها المحافظة على المستثمر القائم حاليا سواء أكان محليا ام أجنبيا، ويكون ذلك بتأسيس خلية عمل واتصال مع القطاع الخاص لبحث التعيينات التي تقف دون تنمية أعماله وأنشطته الإنتاجية المختلفة، حينها سيتمكن القطاع الخاص بعد حل مشاكله خاصة الإدارية منها بالتوسع الاستثماري وبالتالي خلق مزيد من فرص العمل. المحور الثاني يتعلق بالقطاع العام وتطوير عقلية العاملين فيه بإتجاه الشراكة التنموية الحقيقية مع القطاع الخاص، فالأساس ان يكون الموظف العام مسخر لخدمة القطاع الخاص في تسهيل اعماله وتشجيعه على العمل والاستثمار لا خلق التعقيدات والعقبات أمامه، وهذا يحتاج لثورة حقيقية في فكر القطاع العام وآليات تعامله في المجتمع. النقطة الأخرى هو التزام الحكومة بقوانين الموازنة، وهنا لان كل الوزراء وليس فقط وزير المالية، فالالتزام ببنود النفقات بالشكل المقدر في الموازنة هو أولى خطوات الانضباط الماليّ المطلوب في السياسة الماليّة للدولة، فكل وزير يعتقد ان وزارته هي محور التنمية والاقتصاد في المملكة، وسرعان ما تبدأ طلبات النفقات الطارئة والمستعجلة تنهال على وزير الماليّة بعد إقرار الموازنة، وكأنه لا يوجد قانون للمالية العامة يلزم الوزراء بمن فيهم رئيس الوزراء ذاته بالتقيد والالتزام ببنوده. الاستقرار التشريعي بند رئيسي وأساسي في عمليات الإصلاح الاقتصاديّ، فالتغيير المستمر على التشريعات وثمة تعديلات أمر في غاية السلبية في نظر المستثمرين ورجال الأعمال، خاصة في القوانين الاقتصادية، فالقرار الاستثماري يبنى على دراسات اقتصادية من ركائزها التشريعات، وبالتالي التغييرات المستمرة على القوانين تقلب أسس دراسات الجدوى الاقتصادية للمشاريع، وعادة ما تكون أحد الأسباب الطاردة وغير المحفزة للاستثمار. دولة القانون وتعزيز مؤسساته أهم رسالة توجه لمجتمع رجال الأعمال والمستثمرين المحليين والأجانب، وهذه يجب ان يتعزز بالشكل الصحيح وان تكون هناك دوافع أساسية نحو حماية المستثمرين والأعمال الذين يبحثون في النهاية عن مواطن آمنة لاستثماراتهم واقامتهم وأموالهم. محاربة الفساد ومكافحته بالشكل الصحيح والبعيد كل البعد عن الشعبويات، وتمكين العمل بالنصوص القانونين وتوفير عمليات التسويات الماليّة بما يحافظ على الحقوق دون المساس بها بكل شفافية ونزاهة مع تعزيز لمبادئ الحوكمة الرشيدة في بيئة الأعمال والعلاقة بين القطاعين الخاص والعام. الأسس السابقة تمثل ركائز أساسية في الإصلاح الاقتصاديّ والخروج من الإطار التقليدي المعمول فيه، فلا إصلاح ولا استقرار دون الثبات على المبادئ السابقة.