الملف الذي يثير حساسية الأردن كثيرا، ملف ضم مناطق من الضفة الغربية، إلا أن هذا الملف، يخضع لتقييمات مختلفة، وتقديرات متباينة للموقف، يوميا.
شنّ الأردن حملة ضد إسرائيل عبر الأوروبيين، والاتصالات الأردنية مع الأوروبيين تهدف إلى صناعة معسكر عالمي، ضد ضم مناطق من الضفة الغربية، وتحديدا مناطق المستوطنات، وغور الأردن، وشمال البحر الميت، وهذه الاتصالات تثمر تجاوبا أوروبيا، بما يعنيه ذلك من تأثير أوروبي على الولايات المتحدة وإسرائيل.
مشروع الضم المفترض تقديمه إلى الكنيست مطلع شهر تموز، ووفقا لمصادر كثيرة، يتسبب بعدم توافق داخل مؤسسات الاحتلال، إذ إن جيش الاحتلال، من جهة، والمؤسسة الأمنية، إضافة إلى اللوبي الذي يشكله المتقاعدون العسكريون في كيان الاحتلال، ومعهم عدد من السياسيين والنواب والأحزاب، يرفضون هذا التوجه للضم، وهناك تحركات كثيرة لعرقلة التوجه الحكومي من جانب رئيس الحكومة لمواصلة هذا التوجه، في ظل التقديرات الإسرائيلية من جانب هؤلاء، أن هكذا توجه سيؤدي إلى كلفة كبيرة مع الأردن، وسيؤدي أيضا إلى تداعيات داخلية، من بينها حدوث انتفاضة ثالثة.
الأردن يعتقد أن الموقف الأوروبي، وموقف تيارات إسرائيلية قد يؤدي إلى عرقلة مشروع الضم، أو حدوث أزمات بسببه، وعمان واثقة هنا أن لا أحد من الأوروبيين، يريد رؤية صدام أردني إسرائيلي على خلفية ملف الضفة الغربية، إضافة إلى تأثير التقديرات العسكرية والأمنية الإسرائيلية التي ترى في القرار السياسي، كلفة فلسطينية أخرى.
السؤال يتعلق هنا، بموقف الولايات المتحدة، وإذا ما كانت تراجعت عن دعمها لإسرائيل في مشروع الضم، أو أنها كما أعلنت سابقا تريد تنفيذ الضم بشراكة أميركية إسرائيلية، عبر دراسة الخرائط، من جانب الأميركيين والإسرائيليين؟. اقتراب موعد الانتخابات الأميركية في شهر تشرين الثاني، يجعل الإدارة الأميركية الحالية، خاضعة لضغوط كثيرة، من بينها ما يريده اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة، وهل يريد الآن استمرار الدعم الأميركي لمخطط الضم، أم أن الرئيس الأميركي الحالي، قادر على الانفلات من التوجه الإسرائيلي، مع اقتراب الانتخابات، وبالتالي ستكون لديه القدرة على إعلان التخلي عن إسرائيل في مخطط ضم مناطق من الضفة الغربية؟.
المؤكد هنا، أن الإدارة الأميركية أمام أزماتها الداخلية حاليا، وأمام الأزمة الاقتصادية، والصراع الداخلي الذي يتم توظيفه سياسيا، لغايات مختلفة، تحت عنوان مقتل المواطن الأميركي، ستكون أمام وضع مختلف، تماما، من حيث الأولويات، خلال الشهور المقبلة. هذا يعني أن الأردن من جهة ثانية يتحرك في توقيت فاصل وحساس، أي من شهر تموز حتى شهر تشرين الثاني، وهي ذات فترة الشهور الخمسة التي يلعب بها الإسرائيليون ويعتبرونها فترة فريدة بإمكانهم خلالها اتخاذ إجراءات إضافية دون ممانعة أميركية، خصوصا، مع المخاوف من عدم عودة الإدارة الحالية إلى البيت الأبيض، وهذا مجرد احتمال مطروح.
هذه الفترة الحساسة، أي فترة الخمسة أشهر، على ما يبدو لن تؤدي إلى توتر كبير في العلاقات الأردنية الأميركية، على خلفية التحشيد الأردني ضد إسرائيل، وضد الدعم الأميركي لمشروع ضم مناطق من الضفة الغربية، والسبب كما أشرت انشغالات واشنطن، إضافة إلى أن الأردن أقام “شبكة حماية” أكثر ديمومة، داخل الكونغرس الأميركي، وبين أوساط الديمقراطيين والجمهوريين، وبين مراكز اللوبي الأساسية، ومراكز التخطيط الإستراتيجي، والبنتاغون، حيث لا يدير الأردن كل تحالفاته مع الإدارة في البيت الأبيض وحسب. هناك جهات أميركية مؤثرة تتفهم موقف الأردن، ولن تقبل تهديد مصالحه، والاتصالات الأردنية داخل الولايات المتحدة، مستمرة، من أجل وقف مخطط الضم، الذي ينهي مشروع الدولة الفلسطينية، ويفتح الأخطار على الأردن، على مستوى الملف الأمني، وملف إدارة السكان الذي يريد الاحتلال رميه على أكتاف الأردن، وتدرك هذه الجهات أن الأردن هذه المرة، وبشكل يختلف عن كل مرة، مستعد للذهاب بعيدا في الرد على الإسرائيليين إذا تم تنفيذ مخطط ضم مناطق في الضفة الغربية، فنحن أمام إجراءات وليس مجرد تهديدات. إمكانية النجاة من مخطط ضم الضفة الغربية، واردة، فهناك عوامل يمكن البناء عليها، وهناك عوامل خطيرة أيضا، ليبقى السؤال حول سقف الموقف الفلسطيني الذي يجب أن يرتفع قليلا، حتى لا تبدو القصة أردنية هنا، وحسب، برغم كونها فلسطينية أولا، من حيث الكلفة والنتائج.