سبب استقالة المبعوث الاميركي الخاص للشرق الاوسط جيمس غرينبلات كما أعلنه، يرتبط بأمور عائلية خاصة ورغبته بالعمل في فرصة عرضت عليه في القطاع الخاص. لا يمكن التكهن او التعليق على اسباب الاستقالة خارج إطار ما تم اعلانه، لاسيما انه لم يكن هناك بوادر او اشارات تدل على خلاف يدفعه للاستقالة باستثناء ربما بعض التضارب في التصريحات مع الرئيس الاميركي حول توقيت اعلان صفقة القرن. ما يمكن تأكيده في هذه المرحلة ان الرجل المغادر أحدث من الضرر السياسي، والانحياز الايديولوجي، ما يتطلب سنوات وجهودا مضنية لإصلاحه. لقد كان من عرابي خطوات مؤذية ومنحازة أخطرها نقل السفارة والتوقف عن تمويل الأونروا، افتقد لأبسط المهارات الدبلوماسية في الوساطات السياسية، ما جعله يعتمد وينحاز كليا لقصة اصدقائه في اسرائيل، وذاك أحدث ضرراً وانتكاسة لجهود إنهاء الصراع الفلسطيني الاسرائيلي.
أما بديل غرينبلات فهذه قصة أخرى لا تبدو أفضل من سابقتها. المساعد الاداري السابق لجاريد كوشنر، آفي بروكفيتش، هو الاسم المتداول ليكون مبعوثا خاصا جديدا للشرق الاوسط رغم عدم تأكيد ذلك رسمياً بعد. ما رشح للآن عن مواصفات للمرشح الجديد، تجعل خبر تعيينه يعتبر في أحسن الاحوال استخفافا وعدم اكتراث ومحاولة لتقليص ثقل الدور الأميركي في الشرق الاوسط، وفي أسوئها فهذا التعيين يعد بمثابة الإهانة السياسية لقادة الشرق الاوسط وقضيتهم المركزية، ورسالة واضحة من ترامب وكوشنير أننا حقا غير مهتمين بكم وبمصالحكم ونختلف مع أولوياتكم.
وفي قراءة أخرى، ربما يكون هذا التعيين ردا على إفشال مؤتمر البحرين من قبل حلفاء واصدقاء الولايات المتحدة في الاقليم، بعدما رأوا أن هذا المؤتمر وصفقة القرن برمتها ستعلن ميتة فور الافصاح عنها، ولا تشكل مقترحا جديا يمكن ان ينتج تسوية حقيقية للقضية الفلسطينية.
لا أدري كيف ستأخذ اطراف الشرق الاوسط المبعوث الجديد على نحو جدي! قد يكون ذكيا وملماً ولكن هل هذه هي المواصفات السياسية والدبلوماسية لمبعوث سياسي ودبلوماسي خاص للولايات المتحدة لواحدة من اهم واخطر مناطق العالم تعج بظواهر التهديد للأمن والسلم الدوليين. تخيلوا فقط ان المبعوث الجديد سيأخذ نفس المكان الذي قاده جورج ميتشل، الذي انهى صراع وانقسام ايرلندا وحاول ببراعة ولكنه أخفق في الشرق الاوسط. فريق كوشنير بدأ منذ فترة يركز على ملف إيران بالشرق الاوسط، ويقلل من التركيز على ملف القضية الفلسطينية. هذا يتسق من سلسلة الانحيازات لكوشنير وفريقه لصالح اسرائيل، فقد اعطاها ما لها في صفقة القرن قبل ان يتم الاعلان عنها رسميا، والآن أولوية اسرائيل إيران ما جعل كوشنير يعلي من أهمية هذا الملف ضمن تعاطيه مع الشرق الاوسط، على حساب القضية المركزية الاساسية القضية الفلسطينية.