تنشأ الحاجة إلى إنشاء إدارة ما في الدولة عندما تنشأ وظيفة (Function) فيها أو حاجة ماسّة إليها، وبالتالي إلى عضو (Organ) أي نظام (System) يقوم بتأديتها أو تلبيتها. فالوظيفة تجسد الهدف وشكل العضو أو النظام اللازم لتأديتها أو تلبيتها.
والإدارة نظام مفتوح، أي له علاقة بالبيئة من حوله فمنها تحصل على مدخلاتها، وفيها تصب نتاجاتها أو مخرجاتها. أي أن الإدارة ليست نظاماً (System) مغلقاً كالحجر / الذي تجرى التفاعلات في داخله، أي أنه – علمياً – منفصل عن البيئة فلا يأخذ منها ولا يعطيها.
إن جميع النظم ما عدا أصغرها داخل نظم أكبر ما عدا أكبرها. وكل نظام له حد (Boundary) التفاعل بينه وبين النظم (الفرعية) فيه أكثر من التفاعل بينه وبين النظم الأكبر منه، أي أن التفاعل بين النظم / الوحدات الإدارية داخل الدائرة الواحدة أكثر من التفاعل بينها وبين وحدات إدارية خارجها.
والفرق بين درجة أو قوة التفاعل الداخلي والخارجي ناجم عن الفرق في الطاقة اللازمة للتفاعل، فالطاقة اللازمة للتفاعل الداخلي أقل من الطاقة اللازمة للتفاعل مع الخارج. وتوجد عوامل كثيرة داخلية وخارجية تؤثر على سلوك النظام وعلى الموظفين أو العاملين فيه.
لعلّ نظرية النظم (Systems Theory) هي احد أعظم النظريات التي عرفتها البشرية، فهي تفسر ما يجري في مختلف النشاطات في المجتمع والدولة والعالم، وفي ضوئها يتم انشاء نظم شتى وليس خبط عشواء كما في حالة الدمج الإداري والفك واللصق. نعم ان الحكومة تقيم نظاماً جديداً بحجة التحديث الإداري، ولكنها ستكون مكلفة وغير مجدية.
ومن ذلك، كم سيكون عدد الأمناء العامين اللازمين في وزارة التربية والتعليم العالي المدمجتين في نظام واحد؟ ثلاثة أمناء أم أربعة؟ والسؤال نفسه يتكرر في بقية الإدارات المدموجة.
ولضخامة الإدارات الجديدة فإن التعاون او التفاعل بينها سيكون ضعيفاً كما بيّنت قبل قليل وسينعكس ذلك سلبياً على الأداء، ويجعل التعليمين: العام والعالي يهبطان أكثر مما هما هابطان الآن. فحسب هذه النظرية فإنه كلما كبر النظام الإداري وتضخم قلت فعاليته وزادت كلفته.
ومن ذلك – أيضاً – إن سلسلة وحدة القيادة (السلّم الإداري) ستطول. وكلما طالت ضعف الاتصال وتشوهت المعلومات، وزاد الاحتكاك الإداري والمنازعات بين الموظفين أو العاملين في الإدارة، التي يؤججها الاختلاف في الميول والأمزجة والسيكولوجيا الناجمة عن طبيعة الوظيفة (Function) بين فئات المدمجين. هل هي – مثلاً – في وزارة الداخلية طبق الأصل كما هي في وزارة العمل؟ وبما أنه يوجد في كل دائرة ثلاث فئات من الناس وهي: فئة الملتزمين بأهداف أو رسالة الدائرة، المنغمسين فيها والمتطلعين دوماً الى الترقية والصعود؛ وفئة المهملين أو المنسحبين الذين لا يعجبهم العجب لأنهم أصحاب رؤى ومواقف أخرى لا يؤخذ بها؛ وفئة المتقلبين أو المتناقضين الذين لا يثبتون على رأي أو موقف. وكنكتة عليها أذكر أن أحد الموظفين الكبار في دائرة لما سئل عن أفضل مدير في تاريخها قال: إنه المدير الحالي. ولما سئل: من أفضل منه؟ قال: المدير التالي.
وعليه قد يجعل الدمج الوضع في الإدارات الجديدة متوتراً وثقيلاً، والأداء ضعيفاً أو فاشلاً. بالإضافة إلى زيادة التكلفة، نتيجة الحاجة إلى زيادة وحدات الضبط والربط فيها، عدا عن الصعوبة في الحصول على المعلومات من البيئة إلى الداخل، ومن الداخل إليها. كما ستكثر الأخطاء وتفاقم البيروقراطية والروتين بين مركز الاتصال أو مراكز الخدمات والإدارة/ الوزارة ذات العلاقة.
وبعبارة أخرى: سيكون صعباً على الوزير/ المدير / القائد جعل جميع الخيول في الإدارات الجديدة تركض في اتجاه واحد، لأن التنسيق بين وحدات الإدارة الضخمة الواحدة سيصبح مشكلة مستعصية.
وعندئذ قد تفقد الإدارة المدموجة متطلبين مهمين: الفعالية (Effectiveness)، وتقاس بمدى تحقق الأهداف أو الوظائف (Functions) والكفاية (Efficiency)، وتقاس بنسبة المدخلات إلى النتاجات أو المخرجات (الإنتاجية).
وحسب الأبحاث الإدارية يغلب على كل إدارة أو يميل كل منها نحو نمط معين من السلوك: الطاعة كما في الشرطة والجيش. أو الخضوع للأمر الواقع ما دام الحال هكذا فلا يرتقي ولا يتطور، وليكن ما يكون. أو إلى المطالبة الدائمة بالجوائز أو بالمكافآت المادية أو المعنوية أو بكليهما على كل أداء أو إنجاز، حتى وان كان مفبركاً.
كما يفكر الموظفون أو العاملون في كل نظام/ إدارة في ثلاثة: في الأمن الوظيفي، وقد كفله الرئيس وتعهد به. وفي التقدير أو الاعتراف بالاجتهاد أو الانجاز، بالترفيع والجوائز والمكافآت… وفي تحقيق الذات الذي سيصبح صعباً جداً في الإدارات الكبيرة لكثرة المتنافسين عليه.
في الختام: أتوقع أن لا تأخذ الحكومة بشيء مما نقول، وعليه أقول لكل ناقد أردني لهذا التحديث: بتغني لمين يا حمام. بتغني لمين؟