الإثنين، 27-04-2020
03:45 م
توزعت حياة أبناء جيلنا في تلك الأيام في منتصف ستينات القرن الماضي على أربعة اهتمامات: اللعب، الأدب، الدراسة والعمل.
لعبت (halfback) في فريق كرة القدم بالمدرسة الهاشمية بالمفرق، احدى مدارس الثقافة العسكرية، مع علي خلف الخصاونة وعلي سلامة ابو فلاحة الذي سجل هدف الفوز في مرمى كلية الشهيد فيصل في المباراة النهائية على كأس مدارس الثقافة العسكرية. حصلنا يومها على كأس البطولة والميداليات الذهبية التي كنا نظنها مصاغة من الذهب فعلا !!
لقد حصلت عام 1963 على الميدالية الذهبية في كرة القدم، قبل ان يحصل عليها مارادونا وبيليه ورونالدو وميسي وجمال ابو عابد وجريس تادرس ومهند محادين وعبدالله ابو زمع وخالد عوض وبدران الشقران وانس الزبون ورأفت علي وهيثم الشبول !!
لعب الحرف والكتاب والقراءة والثقافة في حياة جيلي دورا كبيرا مركزيا، وما يزال. لقد كان الكتاب معلمنا الأول. وكانت قراءاتُنا قراءة المستخلِص المتفحص، التي تجمع بين المعرفة والمتعة.
كنت اسجل ملاحظات على حاشية كل كتاب أقرأه وكأنني سأخضع إلى امتحان فيه. وكنت اناقش الصحب في المحتويات.
كتب كثيرة أثرت فيّ ابرزُها:
رجال في الشمس لغسان كنفاني.
ثلاثية نجيب محفوظ: بين القصرين وقصر الشوق والسكرية. ثلاثية سهيل ادريس التي اعتبرها نجيب محفوظ "مَعْلما من معالم الرواية العربية الحديثة".
تألفت ثلاثية سهيل ادريس من الخندق الغميق، اصابعنا التي تحترق والحي اللاتيني التي اسهمت في وعي عالٍ على الذات والعالم والآخر. لقد بيع من الحي اللاتيني 15000 نسخة في ثلاث طبعات !).
غسان كنفاني قادني إلى اليسار والتمرد والرفض والمعارضة. وقد أدى الإغتيال الصهيوني له وهو في السادسة والثلاثين، في ذروة العطاء، إلى جعلة أيقونة ورفعه الى مصاف الشهداء عالي التبجيل.
كتاب الحي اللاتيني كشف لي مرارة الاغتراب ومأساة المغترِب، فانار طريقي وتفاديت الإغتراب والهجرة.
نجيب محفوظ، كرّسني قارئا مواظبا مخلصا إلى الأبد. علاوة على ان بَطلَه "سي السيد" جعلني واقعيا ونصيرا للمرأة.
كانت "فرقة" مثقفي المفرق، حيوية سريعة نهِمة، أبرز أعضائها المفكر فايز محمود والكاتب فخري قعوار الذي اصبح رئيس اتحاد الكتاب العرب والشاعر عيسى بطارسة والروائي سمير إسحق والشاعر سرحان النمري والكاتب ميشيل النمري الذي اغتاله النظام الفاشستي العربي في أثينا سنة 1985 والمفكر محمود مكي والصحافي علاء مكي الذي أصبح رئيس تحرير جريدة المجاهد اليومية الجزائرية.
كان "عراب" تلك الفرقة وقاسمُها المشترك محمود كساب الذي لم أعرف انسانا في حيويته. وكان محمد سكر الأب الروحي للفرقة. اما مجلتنا المعتمدة فكانت مجلة الآداب اللبنانية ومجلة الطليعة المصرية. وكانت مقالة محمد حسنين هيكل بصراحة، كل يوم جمعة، المتزامنة في الأهرام المصرية والانوار اللبنانية، مقالتنا المنتظَرة.
اقامت "الفرقة" في اواخر الستينات، صلاتٍ مع مثقفي اربد: يحيى يخلف الذي تولى مقاليد وزارة الثقافة الفلسطينية ونواف ابو إلهيجا وادوارد حداد ونمر حجاب. وفي مرحلة السبعينات شارك خليل قنديل ونواف عبابنة وسمير حباشنة ومنير حداد وناجح الخطيب واحمد سلامة.
امتدت اتصالات وزيارات الفرقة الى عمان للقاء بعبد الرحيم عمر ومحمود السمرة و روكس العزيزي وحسني فريز وعبد الرحمن ياغي وتيسير السبول وراكان المجالي وابراهيم العبسي وخليل السواحري وسالم النحاس وأمين شنار.
ويذكر أبناء جيلي ان عبدالقادر الطحان هو من ادخل اول مولد كهرباء إلى المفرق. ويتذكرون ان محمد الصايل الحسبان هو أول ضابط من المفرق. وأن عمر الصايل الحسبان هو أول طيار منها. وأن أسامة عصفورة هو أول مهندس. واللبناني مارون شباط هو أول طبيب. والشاويش السلطي ابو ياسين الشامي هو أول قائد مخفر. وصاحب اول سياره شاحنة بالمفرق هو عيد الأحمد المعاني أبو محمد. وصاحب اول سيارة هو الغرغوري.
بداية المفرق هي بداية الأردن، الذي بناه العسكر والمعلمون والانصار والمهاجرون. الرجال "التلاتيح" الكرام الذين صبوا في عروقه من دمهم وعرقهم، فاشادوه واعلوه وطنا صلبا يستحق الحياة.