السبت، 30-11-2019
04:06 م
مُنح جلالة الملك التكريم الأكثر أهمية من معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى الذي قدم للملك جائزة رجل الدولة الباحث. المركز ذو حضور سياسي وبحثي مهم في العاصمة الأميركية، والجائزة على أهميتها المعنوية وقيمتها السياسية، إلا أنها لم تكن أهم ما جرى أثناء زيارة الملك لواشنطن، بل حديثه أمام نخبة من الأميركيين المؤثرين المهتمين بشكل خاص بملفات الشرق الأوسط والعلاقة بين أميركا وإسرائيل. الحاضرون للحوار الذي أجراه مدير المركز روبرت ساتلوف هم من الداعمين للمركز والمهتمين بنشاطاته، ومؤثرون أيضا بالسياسة الإسرائيلية كون غالبيتهم من الأميركيين اليهود الذين يرتبطون بعلاقات مع النخبة والساسة في إسرائيل. جلالة الملك، وعبر منبر معهد واشنطن ذي الخصوصية السياسية، يطلق رسائل للنخبة الأميركية الداعمة لإسرائيل، ورسائل لإسرائيل نفسها التي لم تكف حكومتها الجانحة عن الاستهتار بالعلاقات الاستراتيجية المهمة مع الأردن.
يقول الملك للحضور وعبرهم لكل من الرأي العام الأميركي والإسرائيلي، إن العلاقات بين الأردن وإسرائيل في أدنى مستوياتها التاريخية. كلام الملك مقصود ومؤثر، صدم الحضور الذي يعي أهمية الأردن ووزن قائده المعروف باعتداله وانفتاحه وحضاريته، رسخ قناعة ومصداقية دولية في أنه رجل دولة ملتزم بالسلام وساعٍ له. يشير الملك إلى أن المشكلة ليست فقط باستهتار إسرائيل بالسلام الإقليمي الشامل الذي يهدد المصالح الأردنية العليا المرتبطة بالسلام الإسرائيلي الفلسطيني، ولكن أيضاً بالانحدار بالعلاقات الثنائية التي تشهد جموداً وتعثراً لكثير من ملفات ينتفع الجانبان الأردني والإسرائيلي منها. ويذكّر الملك بأن السلام الذي رآه وأبرمه والده الحسين ورئيس الوزراء رابين ليس الموجود على الأرض اليوم، بل علاقات مضطربة مستمرة بالانحدار وثقة متلاشية واحترام شكلي.
رسائل الملك تأتي متتابعة لسابقات كان فحواها التنبيه لخطورة سلوك نتنياهو وحكومته، وإن إمعان نتنياهو في هدم السلام وعدم احترام مصالح الشعوب من حوله سيؤدي للإطاحة بالعلاقات التي بدأت مع توقيع معاهدات السلام. سعي نتنياهو الحثيث لهدم إمكانية حل الدولتين يهدد إسرائيل قبل أن يهدد مصالح الفلسطينيين والأردنيين، لأن البديل سيكون دولة فصل عنصري ثنائية القومية. شارون، المعروف أنه أبو المستوطنات التي بدأها كسياسة في الثمانينيات، تراجع هو ذاته عنها وانسحب أحادياً من غزة ولولا سكتته الدماغية لكان على وشك عمل الشيء نفسه في الضفة. ليس حباً بالفلسطينيين والأردنيين، ولكن حماية لدولته.
هجوم الملك الدبلوماسي من معهد واشنطن وأمام نوعية النخبة التي تحدث لها يسهم في مزيد من العزلة لنتنياهو، الذي جعل من دعم أميركا لإسرائيل أمراً حزبياً تقسيمياً، وبات الديمقراطيون ينأون بأنفسهم عن حكومة نتنياهو بعد أن كانوا تاريخياً داعمين لحكومات إسرائيل كافة. من كل عشرة يهود أميركان حزبيين ثمانية يعرفون أنفسهم أنهم ديمقراطيون، وبالرغم من ذلك لم يذهب أي من العشرة الديمقراطيين المتسابقين للرئاسة لمؤتمر إيباك الشهير، في دلالة واضحة على الفجوة مع سياسات الحكومة الإسرائيلية وكل من يدعمها.