عدد الأفراد الذين عليهم ديون في الأردن، غير معروف، إلا من زاوية أرقام المصارف والمؤسسات والصناديق الدائنة، إضافة إلى ما يرتبط بالقضايا المرفوعة على خلفية ديون شخصية، فيما الديون التي يسامح بها الناس، يوميا، بعضهم بعضا، بسبب عدم القدرة على التحصيل، او اليأس من استعادتها، فهي كبيرة جدا.
يوم امس اعلنت الحكومة عن تعديل مهم على امر الدفاع 28 والآن انتهت المهلة الممنوحة لكل من عليه دين دون مائة الف دينار، والتي كانت تمنع سجنه، وتم تمديد عدم السجن لمن عليهم ديون تحت العشرين ألف دينار.
في الارقام نقرأ ان العدد الكلي للمطلوبين بقضايا الديون المدنية يبلغ 157367 شخصاً منهم 137715 شخصاً ديونهم أقل من عشرين الف دينار، و19652 شخصاً ديونهم أكثر من عشرين ألف دينار، وهذا يعني انه بتعديل امر الدفاع 28 سيكون المطلوبون للتنفيذ القضائي، والسجن 19652 شخصاً فقط، فيما سوف يستفيد من التمديد حتى ما بعد عيد الفطر، غالبية المطلوبين اي 137715 شخصاً ديونهم أقل من عشرين الف دينار، في سياق مؤشر إلى انهم سيأتيهم دور المطالبة ايضا، بعد عيد الفطر، ولم تتبق امامهم سوى فترة قصيرة للسداد.
الأرقام ذاتها تقول ان عدد المطلوبين الكلي بسبب قضايا الشيكات التي لا يقابلها رصيد يبلغ 30669 شخصاً، منهم 17518 شخصاً تقل ديونهم عن عشرين ألف دينار، وهذا يعني انطباق نفس القاعدة، اي انه سوف يستفيد من مهلة التمديد حتى ما بعد عيد الفطر، 17518 شخصاً تقل ديونهم عن عشرين ألف دينار.
مشكلة الديون اكبر مشكلة تؤرق الاردنيين، إذ إن أغلبية الأردنيين عليهم قروض مصارف، او التزامات إيجار متأخرة، او أقساط غير مدفوعة، او غير ذلك من استحقاقات مالية مجدولة، او غير مدفوعة، وما بين حالات التعثر، او التعمد بعدم الدفع، او الاحتيال المباشر، فإن اكثر ما يرهق عصب الأردن، هو الدين، سواء ديون الأفراد على الأفراد، أو ديون الخزينة على الافراد، او ديون الخزينة للمؤسسات الدولية، والمحلية.
لكن مشكلة الديون، كما اشرت لا تقف عند عدد الحالات المسجلة، او المرصودة، إذ ربما هناك مئات آلاف القضايا التي لم يرفع اصحابها اي مطالبات قانونية، إما لمعرفتهم بوضع المدين، او لعدم رغبتهم بالتورط في المحاكم والملاحقات، او بسبب يأسهم او مسامحتهم للمدين، او حتى بسبب استحالة السداد، بقضية او دون قضية.
عدد الاردنيين الهاربين من بلادهم بسبب قضايا مالية، عدد ليس قليلا، سواء اولئك الذين ذهبوا إلى تركيا، او مصر، او دول ثانية، وهذا يؤشر على استعصاء هذا الملف، والذي يجالس اي تاجر في عمان على سبيل المثال، سيفتح له سجلاته التي تثبت مطالبته لكثيرين له حقوق عليهم، ولا يقوم احد بدفعها ممن تواروا عن الانظار، او غادروا الأردن، كحل وحيد، بعد ان استعصت الحلول الكلية، او حتى الجزئية.
أزمة الديون سوف تتضاعف، برغم كل الكلام الجميل الذي يتم بيعه فوق رؤوسنا، لأن رفع فوائد الاقساط سيؤدي إلى مشاكل متواصلة، قد تصل بالمدين إلى التوقف عن السداد والتعثر، مثلا، كما ان الفوضى الخلاقة في قطاعات كثيرة، بسبب كلف الانتاج والطاقة والرسوم والضرائب، وتسلط اصحاب العقارات الذين يستفيدون من قانون المالكين والمستأجرين ويرفعون الايجار وكأننا في طوكيو، ستؤدي إلى مزيد من حالات التعثر، والامتناع عن السداد، او البحث عن حلول كالهجرة، او اي حلول ثانية غير السداد المباشر.
نحن ندور حول انفسنا، ومن إنجازاتنا الاعلان عن انشاء سجون جديدة، والدول الحديثة تتجنب حلول السجن، نحو حلول بديلة، لكننا نقف مذهولين أمام الأزمة ولا نجد حلا سوى توسيع السجون استعدادا لعدد النزلاء المتضاعف المقبل على الطريق، فيما البيئة الاقتصادية ذاتها، منفرة، ومكلفة، وليس أدل عليها من كل هذه المحلات المعروضة للإيجار أو البيع في عمان وغيرها، وكل رخص المهن التي لا يتم تجديدها في عمان وغيرها أيضا.
وفقا لتمديد امر الدفاع، حتى ما بعد عيد الفطر، ستقوم القيامة يومها، وسيدق الكل في اعناق الكل، مطالبين بأموالهم، وسجن الدائنين، هذا غير القضايا التي قد تستجد من شباط حتى نهاية نيسان.