تاريخ منطقتنا العربية في الخمسينيات والستينيات وما بعدها الى حين ما يسمى الربيع العربي، كانت عمليات التغيير والعبث بالدول تتم بطرق الانقلابات العسكرية عبر الجيوش التي تكون بعض قياداتها تتبع حزبيا أو مخابراتيا او عبر الوعود لدول عربية اخرى ولم يكن تأثير الدول الكبرى غائبا فهي حاضرة في كل عملية عبث تحت اي شعار قومي او اشتراكي او إسلامي او وطني.
لكننا في فترة ما يسمى الربيع العربي ومابعده نشهد تغيرا في الأساليب، وهناك في العالم دول اصبحت محترفة وتملك القدرة على بعثرة الدول الاخرى، والناس ترى ما يحدث فجأة لكن العمل والتحضير وبناء ادوات التغيير يتم تحت الطاولة دون ضجيج، والمشكلة الكبرى تكون في الدول الساذجة سواء ساذجة في بعض مؤسساتها او بعض قواها السياسية او حتى في فئات شعبية، والسذاجة لا تعني ان هذه الجهات لا تتحدث في السياسة او لا تمارس التنظير او الصوت المرتفع او السجال والحروب عبر وسائل التواصل او كل وسيلة بل السذاجة تكون في كونها سهلة الاستدراج الى مساحات الشقاق واحيانا الاقتتال العسكري او حتى التحول الى ادوات لدول اخرى والذهاب بأقدامها الى الفوضى وتفتيت دولها مع انها تظهر كقوى ذكية لكنها تحت وطأة سذاجة يسهل استدراجها لتكون مخالب لدول خبيثة في هذا الكون تبحث عن مصالحها او توسيع نفوذها.
لا نحتاج الى عناء كبير حتى نرى نماذج من السذاجة في اقليمنا، وان نرى كيف كانت السذاجة المغلفة بالوطنية او السعي لديمقراطية او مصالح طريقا لأن يفقد الناس حتى القدرة على حياة طبيعية او حتى توفر الخبز والغاز والدواء. بديل سذاجة الدول أو القوى السياسية هو القدرة على ممارسة الحكمة والبحث عن حلول وليس باعتقاد كل طرف انه الخيار الاقوى سواء قوة السلطة او قوة الأجنبي والخارج ايا كانت هويته عربية او اعجمية.
اخر النماذج حولنا السودان بلد الامكانات الطبيعية الهائلة لكن سلطتيه اليوم كما كان الحال في مراحل اخرى تدخل نادي الدول الذاهبة إلى مرحلة تفتيت جديدة، واذا ما استمرت هذه السذاجة ايا كان غلافها الخارجي فإن السودان ذاهب – لاسمح الله- الى فقدان الدولة ومزيد من الانفصال ويصبح ساحة مثالية للعبث به من كل قريب وبعيد.
على شاشات التلفاز الجميع يرفعون شارات النصر ويحملون على اكتافهم الكثير من الرتب العسكرية لكن الجميع يذهبون ببلادهم إلى تضييع ما تبقى من الدولة حتى يكون التقسيم او انفصال اجزاء جديدة هو الحل الرحيم مثلما انفصل الجنوب في عهد سابق.
عديد من دول عالمنا العربي تم استدراجها إلى الفوضى وتفكيك بناها التحتية، وترى كل القيادات فيها أيا كان تصنيفها يتحدثون بالسياسة على شاشات الفضائيات ويحملون ألقابا مختلفة لكنهم منعوا دولهم ان تذهب الى الفوضى وحرموا شعوبهم من الحصول على رغيف الخبز دون طابور طويل وجرة غاز دون معاناة.