التزم المعلمون بقرار نقابتهم،وعم الإضراب في جميع مدارس المملكة تقريبا،باستثناء حالات نادرة. جولات الحوار بين الحكومة والنقابة لم تسفر عن إحراز أي تقدم في المفاوضات بما يسمح بتجسير الفجوة في مواقف الجانبين.ومع بداية الإضراب المفتوح لايبدو أن لدى الحكومة أو نقابة المعلمين نية لعقد جولة تفاوضية جديدة, رغم إعلان الطرفين استعدادهما للحوار في أي وقت.
معنى ذلك أن الإضراب مرشح للاستمرار في الأيام المقبلة ما لم يحدث اختراق مفاجئ.
إلى أي مدى سيحتمل المجتمع تعطيل المدارس الحكومية في وقت تنتظم فيه العملية التعليمية في المدارس الخاصة؟
الطرفان؛الحكومة والنقابة تراهنان على موقف أهالي الطلبة،فإلي أي طرف سينحاز الطلبة وأولياء أمورهم،وفي أي تجاه سيوجهون ضغوطهم لاستئناف الدراسة في المدارس الحكومية؟
وماحذرت منه الحكومة قبيل الإضراب يخشى أن يصبح حقيقة، فتصيب عدوى الإضراب قطاعات نقابية أخرى بدأت فعليا التلويح بخطوات مماثلة للمعلمين للمطالبة بعلاوات وزيادات. للوهلة الأولى يبدو مثل هذا السلوك عامل ضغط على الحكومة، لكنه في المقابل يؤكد استحالة الأخذ بكل هذه المطالب لما ترتبه من أعباء ثقيلة على موازنة تعاني من عجز وشح في الموارد وتضخم في النفقات، وبالتالي يضع نقابة المعلمين في موقف ضعيف.
في معظم دول العالم الديمقراطية، تنظم النقابات العمالية إضرابات قد تستمر لأسابيع طويلة، تشل قطاعات حيوية كالتعليم والصحة والطيران والنقل العام. لكن هذه المجتمعات خلافا لحالنا في العالم العربي، راكمت من التقاليد الديمقراطية ما يمكنها من التكيف مع الإضرابات وامتصاص خسائرها ونتائجها الاجتماعية.
بلدنا لم يتعود على ظاهرة الإضرابات الطويلة،وفي ظل الظروف الاقتصادية والسياسية المتشابكة تخشى دوائر صناعة القرار من استغلال الإضرابات المطلبية لأغراض سياسية وأمنية تهدد الاستقرار، وخلق مناخات تفرض تغييرات تحت ضغط الشارع لم يحسب حسابها كما حدث أثناء احتجاجات الدوار الرابع العام 2017 التي فرضت استقالة الحكومة حينها.
عمليا البعد السياسي في احتجاج المعلمين بدأ بالظهور مبكرا، عندما رفع مجلس النقابة شعار إقالة وزير الداخلية سلامة حماد كشرط ثان لفك الإضراب.ومع مرور الأيام قد يتطور الشعار للمطالبة باستقالة الحكومة بدعوى عدم تجاوبها مع مطالب المعلمين.
سيناريو الإضراب المفتوح سيفتح شهية احزاب سياسية وفعاليات نقابية وشعبية للتعبير عن تضامنها مع المعلمين، ما يعني تطوير ديناميكية جديدة للحراك في الشارع،تولد حركة سياسية وشعبية واسعة النطاق على وقع مزاج عام محتقن، وظروف اقتصادية صعبة تغذي هذا الاحتقان، في غياب مبادرات جدية لكسر حالة التشاؤم المسيطرة على قطاعات اجتماعية واقتصادية واسعة.
لاتغيب هذه المخاوف عن بال الحكومة ومؤسسات صناعة القرار، ونأمل أن تتحلى قيادة المعلمين بنفس القدر من الشعور بالمسؤولية، وتظهر قدرا من المرونة في مطالبها،لأن المجتمع مهما أبدى تضامنا معها،فلن يخلي مسؤولياتها عما يمكن أن تؤول إليه الأمور.
بمعنى آخر لعبة عض الأصابع من طرف الحكومة والمعلمين،ستكون مؤلمة للطرفين إذا ما استمرت طويلا،ففي نهاية المطاف لابديل عن طاولة الحوار مهما طال أمد الإضراب.