بعد فوز نتنياهو واليمين الديني الاسرائيلي الاكثر تطرفا في اسرائيل عاد الكلام في تحليلات سياسية ومقالات محلية وعربية نقرؤها عن مخاطر ذلك على الأردن، وتحديدا المخاوف من مخططات ترحيل الفلسطينيين طوعا او قهرا الى الأردن، وتنفيذ وصفة الوطن البديل.
من حيث المبدأ العام لا توجد، اصلا، موجات تسرب من الضفة الغربية او القدس، طوال العقود الماضية، ولذلك لم يكن غريبا ذات يوم ان يعلن مسؤول رسمي في عمان خلال الانتفاضة الثانية، ان عدد المغادرين من الضفة الغربية والقدس الى الأردن، هو ذات عدد العائدين من الاردن الى الضفة الغربية والقدس، وقد رصد الرسميون هذه الاعداد ووجدوا ان لا احد يغادر طوعا او قهرا والكل يعود الى بيته في القدس او الضفة الغربية بعد انتهاء زيارته الى الأردن، برغم المواجهات الدموية القائمة آنذاك، بما في ذلك الطلبة الذين يقومون فور انهاء دراستهم في الأردن بالعودة، ولا يبقون في الأردن، مع محبتهم له، ولا يغادرون ايضا باتجاه دولة ثالثة.
لا احد يترك مكانه في فلسطين، في الظروف العادية ولا غير العادية، وكلنا يعرف ان الظروف في الضفة الغربية والقدس، متقلبة، وهناك حصار واغلاقات وتنفيذ عمليات عسكرية، وخنق اقتصادي، لكن الكل يعود لمعرفتهم ان اخلاء المكان خطر على وجودهم وحياتهم ومستقبلهم.
الآن تدق طبول الحرب في الاعلام، خوفا مما سيفعله نتنياهو ضد الأردن، خصوصا، إذا عاد الجمهوريون الحلفاء الحقيقيون لنتنياهو إلى الكونغرس في الانتخابات النصفية القادمة، واذا شهدنا بعد عامين عودة الرئيس الاميركي السابق، دونالد ترامب الى الرئاسة في الولايات المتحدة، وكل التحليلات تتحدث عن سيناريو الوطن البديل، وتهجير الناس، وتهديد المسجد الاقصى، وغير ذلك من احتمالات يتم طرحها، وتم طرحها سابقا، في ظروف مشابهة على المنطقة.
أنا أعتقد جازما ان الكلام عن ترحيل الفلسطينيين الى الأردن، كلام سطحي، غير قابل لتنفيذ على ارض الواقع اذ كيف سيتم ترحيل هؤلاء، هل ستتم دعوتهم لركوب الحافلات، ام اطلاق الصواريخ عليهم، وفتح ممرات آمنة لهم نحو الأردن، ام عبر خنقهم اقتصاديا، وهذه الاحتمالات وغيرها سبق ان مرت على الفلسطينيين في غزة والقدس والضفة الغربية، فلم نر موجات هجرة طوعية او اجبارية الى الأردن او مصر، ولم نر مثلها حتى في الانتفاضة الاولى ولا الثانية.
هذا يعني ان سيناريو الترحيل طوعا او اجبارا مستحيل لألف سبب، ولو كانت اسرائيل قادرة على حل مشكلة الديموغرافيا، لقامت بحلها في فلسطين المحتلة عام 1948، وهي غير القادرة على نزع اهالي فلسطين 1948 من مواقعهم، ولا ترحيلهم الى دول ثانية، لأننا امام سبعة ملايين فلسطيني اليوم في فلسطين التاريخية، تقف اسرائيل امامهم مكبلة ولا تعرف ماذا تفعل معهم.
كثرة الكلام عن ترحيل الفلسطينيين طوعا او قهرا على يد اليمين الاسرائيلي يفترض في باطنه ان هؤلاء مجرد مجاميع بشرية سيفرون عند اول مواجهة، وهذا لم يحدث في ظروف سيئة سابقة.
اذا كان هناك خطر شديد على الأردن من حقبة نتنياهو المقبلة، وعودة الجمهوريين، وربما الرئيس الاميركي السابق، فهذا الخطر يرتبط يتصفية حسابات قديمة ترتبط بمرحلة مرت قبل عامين مرتبطة بتحالف نتنياهو- ترامب، وهي حسابات معقدة قد تؤدي إلى الثأر بشكل او آخر.
ترحيل الفلسطينيين بشكل مباشر مستحيل، ومشكلة اسرائيل ترتبط بحاجتها لأرض الضفة الغربية فقط، دون سكان، ولا حل لديها سوى الترحيل غير المباشر عبر سيناريو الحاق سكان الضفة الغربية بهوية الدولة التي كانوا يتبعون لها ذات يوم، اي الأردن، كسكان دون ارض، ووقتها فقط قد يصير سيناريو الترحيل الطوعي الناعم في ظل ظروف مصنوعة حتى عنوان “المواطنة الواحدة الممتدة “من الضفة الغربية الى الشرقية، محتملا، وهذا سيناريو وقف الأردن ضده، فوق ان هذا السيناريو مرفوض فلسطينيا، بعد كل هذه الموجات من الشهداء والجرحى.
الخطر الوجودي يتجاوز سيناريو الوطن البديل وترحيل الفلسطينين، وقد يأخذنا الخيال السياسي الى احتمالات لم يتم طرحها سابقا، امام ازمة الديموغرافية الفلسطينية في اسرائيل.
وهذا ما يوجب طرح سيناريوهات جديدة، غير المستهلكة اعلاميا، من اجل التحوط امامها.