أحد التساؤلات المهمة التي يتم إثارتها على مستويات محددة تتعلق بالأسباب التي تدفع الأردنيين إلى متابعة الشؤون السياسية، خارج الأردن، بما يفوق متابعتهم للشأن الأردني.
يضرب هؤلاء مثلا عن متابعة الأردنيين لما كان يقوله الرئيس المصري جمال عبد الناصر حين كان رئيسا لمصر، في فترة الخمسينيات والستينيات، ولما كان يقوله ويفعله الرئيس العراقي صدام حسين، ولما يقوله ويفعله الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وما كان يقوله ويفعله الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، وما كان يقوله أو يفعله الرئيس السوري بشار الأسد، ويمتد الأمر إلى عشرات الأسماء لمستويات دون رؤساء الدول، بما في ذلك زعماء تنظيمات، وشخصيات سياسية وعسكرية وحزبية، في العالم العربي، وربما العالم الإسلامي بكل دوله الكثيرة.
هذه ظاهرة ليست أردنية حصرا، وإن كانت مركزة هنا، لكنها ظاهرة ممتدة في كل العالم العربي، خصوصا، في أزمان سابقة، حين كان العنوان القومي غالبا، والشعار المؤثر طاغيا، وهي ظاهرة بدأت بالتراجع النسبي، بعد سلسلة طويلة من الإحباطات الفردية، أو فشل التجارب الكبرى، أو بسبب انشغالات الشعوب بأزماتها الداخلية، وطاحونة الحياة والهموم والمصاعب.
لكن هذه الظاهرة مركزة في الأردن بشكل كبير، ربما لكون طبيعة الأردنيين تميل عموما إلى السياسة، وانخفاض منسوب المشاعر الفردية، أو العزلة عن الآخرين، إضافة إلى أن تحليل علاقة الأردنيين بكل اسم، يكشف أن الارتباط يتأسس عادة على سمات معينة في الشخص الذي يتم الاهتمام به، وأغلب هذه السمات يتمحور حول الزعامة، أو الرمزية، أو القدرة على جذب الجمهور، أو الكاريزما، أو بسبب برامج أو شعارات تتجاوز مكان الشخص، وموقعه نحو دول ثانية، وتتبنى قضايا كبرى، خصوصا حين يرغب هو أساسا بالتمدد فيها، وبين مواطنيها، من خلال أفعال وقرارات كثيرة، تستقطب المتابعين والمهتمين.
بالمقابل كان الأردنيون يتابعون الشأن الأردني بأدق تفاصيله، لكن الذي حدث أن منسوب الثقة بالأشخاص والأسماء والمؤسسات تراجع إلى حد كبير، سواء البرلمانات أو الحكومات أو الأحزاب، وربما بعض النقابات، وهذا التراجع أدى إلى تضرر الثقة والشعور بكون أن لا أحد يمكن المراهنة عليه، أو دعمه أو إضاعة الوقت في متابعته، بعد أن تبين أن كل الحياة السياسية في الأردن تخضع لعوامل تؤدي إلى إضعافها، وعرقلتها، وتحويلها إلى نمط شكلي، يشكك الأردنيون في جدواه، وهذا يفسر أن الاندفاع نحو الخارج يتأتى أيضا من حالة الإحباط الداخلية، بحثا عن مدارات أكبر، وأكثر شمولية، خصوصا، بشأن القضايا الكبرى.
لكن ما يتوجب الإشارة إليه هنا، أن هناك انخفاضا عاما بشأن اهتمام الأردنيين بالسياسة سواء الداخلية، أو في دول الجوار، أو الإقليم، وهذا الانخفاض مرده إلى عزلة الفرد في حياة اليوم، وشعوره أن مصير الأفراد والمجموعات والدول التي تخرج عن سياق عام، هو الفشل والتكسير والغياب، وبحيث تدور أغلب اهتمامات الأفراد اليوم، حول شؤونهم الشخصية، دون أن نقول إننا أمام ردة سياسية، بقدر ما يمكن وصفها بكونها حالة انشغال وانفصال عما هو أوسع من دائرة الفرد، وهذا الانخفاض لا يلغي استمرار الاهتمام بما يجري في الإقليم، تحديدا، لكنه يجعله أقل حدة، وأكثر توقعا لخيبات الأمل، ولكل الاحتمالات، وفقا لكل حالة بحالتها.
في الغرب لا يهتم أغلب الغربيين بما يجري في دول ثانية، وحتى الانتخابات تجري وفقا لاعتبارات داخلية، قد يكون من بينها تورط الحزب المرشح أو حكومته في قضايا خارج الحدود، لأن أغلب الغربيين لا يهتمون بالسياسة على الطريقة العربية، ولا يعرفون عن شؤون غيرهم إلا ما ندر، وفقا للمهنة والسفر، وقضايا ثانية، وهذا أمر يعرفه من يعيش في الولايات المتحدة، مثلا، ودول أوروبية، حيث الأولويات محددة بما يؤثر على حياة الأفراد والمجتمعات. في كل الأحوال لا يمكن نقد ظاهرة الاهتمام بما يجري في دول الجوار أو كل المنطقة، فهي أيضا تعبير عن جمهور مسيس، له اهتماماته التي لا يمكن استبدالها في يوم وليلة.