“ندعو الأردنيين إلى التفهم”، هو رجاء لوزارة المياه والري تستأذن فيه المواطنين إلى تحمل تبعات صيف لن يرويهم. على المواطن أن يتحمل فشل إدارة ملف المياه الذي وضعت له عشرات الاستراتيجيات والخطط البديلة، وعانى طويلا من الاعتداءات (أكثر من 88 ألف اعتداء على مختلف مفاصل تزويد المياه الحيوية منذ العام 2013)، والآبار المخالفة، والسرقات وسط تشريعات قاصرة.
مسكين هذا المواطن، فعليه دائما تحمل كل شيء، ودفع ثمن ضعف المسؤولين وعدم جديتهم في التصدي لما يفترض أن تكون أولويات، وعدم قدرتهم على إيجاد حلول لتجاوزها. عليه تصديق كل ما يلقى على مسامعه من خطط وإستراتيجيات ظلت حبرا على ورق، أو إبر تخدير لكسب الوقت. لماذا على المواطن أن يتحمل صيفا شحيحا بالمياه؟ أين يتوارى وزير المياه الذي يهدد بنفي أي شيء ينشر عن الموضوع قبل أن يعرف فحواه؟ ماذا كان يفعل الوزراء الذين سبقوه؟ أين ملايين الدنانير التي صرفت كرواتب وزراء وجولات ودراسات واستشارات وخطط، وهي أموال دفعها الأردني ضريبة من جيبه! لماذا على المواطن أن يكون ضحية سوء إدارة العديد من المؤسسات. في ملف الطاقة، مثلا، نعيش إحباطا كبيرا. نسمع تصريحات رسمية تسلب العقل، فيما الواقع يتأزم يوما بعد يوم. الأمر ذاته ينطبق على مشاريع كالأحلام تستنزف خزينة الدولة، والنتيجة ذاتها؛ سراب فحسب! هل يتوجب على المواطن أن يتحمل فشل جميع الوزارات والمؤسسات، بينما يعاني نسب بطالة عالية وفقر وضيق حال، ومن وضع صحي ساهم في تأزيم حياته المعيشية وأتى على دخله بعد أن تراجع الوضع الاقتصادي العام للدولة. ألا يوجد مسؤول واحد يتحمل جزءا من المسؤولية؟! وزارة المياه حددت منذ العام 2015 ثلاثة مراحل لخفض الفاقد، لإيصاله لما معدله 26 % في جميع مناطق المياه (مقدرة حاليا بـ 46 %)، مع إجراء تقييم لاحق للمشاريع المتعلقة بالفاقد المائي، خصوصا في ظل رصد الفاقد الإداري والاعتداءات على خطوط المياه، وإعادة تأهيل الشبكات القديمة وإنشاء أخرى جديدة، ومحطات الضخ، ومعدات المختبرات، وإدارة الضغط وكشف التسرب، إضافة لأنظمة المراقبة والعدادات التالفة. كل ذلك لم يحقق تحسنا فعليا في الحد من الفاقد. ما الحل بعد هذه الخطة العرمرمية التي فشلت الحكومة في تنفيذها وإنجاحها.
استراتيجية قطاع المياه للأعوام 2016 – 2025 تضمنت أيضا رؤية للعمل على برنامج الفاقد في المملكة، وذلك في ضوء مواجهة قطاع المياه تحديات كبيرة أهمها الفاقد، والمسمى عالميا المياه غير المحسوبة بشقيه؛ الإداري والفني.
الوزارة تعكف على إعداد خطة طويلة المدى حتى العام 2040، تكون مبنية على أسس علمية ورصد دقيق لـ “الخروج برؤية وأهداف واضحة للنهوض بالقطاع المائي”. وتقول إنها ترصد مختلف التحديات التي يواجهها قطاع المياه في ثاني أفقر دولة مائيا على مستوى العالم، وذلك تحت إطار محدد تندرج جميع بنوده تحت محور الإدارة المتكاملة للمياه، ولا يمكن لنا أن نغفل عن مشروع جر مياه الديسي. هذا إضافة لقضية عدم تعديل أي قوانين أو أنظمة خلال الأعوام الماضية، حيث ساهم ويساهم في عدم إمكانية تقنين وتنظيم الزراعة المروية، إلى جانب عوامل الوضع الجيوسياسي في المنطقة، والذي ساهم بعدم تطبيق القوانين والأنظمة النافذة بفاعلية، في بلد يحصل على 60 % من حاجته من المياه من اثني عشر حوضا جوفيا. هذه الإستراتيجيات المفعمة بالأمل هي ما ألقته وزارة المياه على مسامعنا، وبعد كل ذلك تطلب منا أن نتفهم فشلها، وركاكة عملها، وأن نتحمل صيفا سنعاني فيه إذا أردنا أن نغتسل، أو نشرب، أو حتى نروي مزروعاتنا. بالنسبة لي شخصيا، لا أريد أن أتفهم ما تتحدث عنه وزارة المياه.