ثلاثة ارباع الحوار حول اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية يدور حول صدقية النوايا وثلاثة ارباع المداخلات تدور حول مصداقية المشروع وحقيقة ما يريد القائمون عليه. ويتم تركيز كل الجهد لإثبات عدم جديته وهدم أي أمل فيه مع حشد من الحجج والبراهين ابتداء من تجارب سابقة لمشاريع اصلاح انتهت بلا نتيجة وصولا الى الوقت الحاضر وملابسات تشكيل هذه اللجنة وتركيبتها.
لا اجد جدوى من الانخراط في هذا السجال فلا احد يستطيع تغيير القناعات المسبقة بالحجج والبراهين وثمّة دائما ما يقابلها وينقضها، والمواقف تتشكل في الواقع على خلفية معقدة من التجارب يتداخل فيها العام والخاص وتصنع شتّى النزعات التفاؤلية أو التشاؤمية، البنّاءة أوالعدمية، المرنة أو المتصلبة، الواضحة واليقينية أو المترددة والضبابية، وأنا محسوب على المتفائلين الذين لا تردعهم الإحباطات بغض النظر عن عضويتي في هذه اللجنة. ويشفع لي أن هذا نهجي الذي لم يتغير بالبحث دوما عن بصيص أمل مهما ادلهم الظلام وأتخاذ موقف ايجابي من كل مبادرة معلنة للاصلاح حتى عندما اكون معارضا وانتقاديا جدا لما يقدم فلا اقبل المعارضة السلبية بل اقدم البديل أو التعديل الذي أراه صحيحا. لقد كنت عضوا في لجان سابقة انتهت الى لا شيء مثل الأردن أولا وكلنا الاردن وبالمقابل لم أكن عضوا في لجان اخرى لكنني واكبت عملها وانخرطت في الجهد المبذول كأنني فيها واكثر محاولا دفع الأمور بإتجاه ما اعتقده الأفضل. حدث هذا مع لجنة الأجندة الوطنية عام 2004 ولجنة الحوار الوطني عام 2011 وقد كنت نائبا في البرلمان فلم أكن عضوا فيها لكن تم اشراكي بصفة مستشار وخبير بالشأن الانتخابي وأثّرت على مخرجاتها التي انتهت الى لا شيء. وبالطبع فالسؤال البديهي الذي يتكرر الآن هو: لما سيختلف الأمر هذه المرة ؟!
لن احشد اي حجج تبرهن ان الأمر سيكون مختلفا. بل سأعرض احساسا طاغيا انها الكارثة اذا تكشف مشروع اللجنة عن مجرد مشاغلة لا تضمر نيّة جدّية لانجاز الاصلاح ( أو التحديث ) المنصوص عليه حرفيا في كتاب التكليف للجنة. الأمر يختلف الآن ولا أتخيل أحدا ينوي هذه المغامرة أو يريدها ولا اعتقد ان الموقف يحتملها. لنفكر فقط في معنى ووقع الفشل – لا سمح الله – على الرأي العام وعلى الدولة والمجتمع !؟ لا اقول انهيار رصيد االثقة المستنزف أصلا بل القطيعة النهائية معه ومع الخطاب الرسمي وتحول قطاعات اجتماعية من الاحتجاج الى الرفض ومن المعارضة الى المقاطعة وأحيانا العصيان. سنذهب الى تمزق اجتماعي وتدهور مؤسسي يقترب بنا من نموذج الدولة الفاشلة. وسيفقد التيار الاصلاحي مكانه وستفقد نظرية المشاركة والتأثير من اجل التغيير صدقيتها وكذلك مفهوم الاصلاح بخطوات متدرجة في النور بدل قفزات في الظلام. تيار الاعتدال الاصلاحي سينسحق في فالق بين صفيحتين زلزاليتين.
أستطيع ان الاحظ ان ما نطلق عليه قوى الشدّ العكسي والأمر الواقع والمصالح القديمة تعي وتقدر اليوم اننا دخلنا في منطقة الخطر وأن مصلحة النظام السياسي بعد الأزمات الأخيرة ما عادت تحتمل الا الانفتاح على مشروع الاصلاح والالتقاء معه في منتصف الطريق، ولهذا ترجمة معينة في قوانين الأحزاب والأنتخاب.