الأحد، 24-07-2022
04:07 م
نجلس على بركان، وسوف ينفجر عاجلا، أم آجلا، والكل يتفرج، وكأنّ الأمر لا يعني أحداً، والفواتير التي تتراكم سوف تتنزل علينا، إن لم تكن تنزلت أصلا، هذه الأيام.
هناك كارثة اجتماعية تتعلق بصناعة التفاهة، في شخصية الأجيال الجديدة، ولو أردنا البدء بالكلام لأشرنا أولا إلى وجود مئات آلاف الشباب في الشوارع، يتسكعون، ويدخنون، ويجلسون على الأرصفة في الأحياء والحارات، ويتصفحون الموبايلات، ولا يفعلون شيئا، وكل ما يحصلونه في المدارس، يفقدونه خلال إجازة الصيف، وحتى خلال الدوام في المدارس، التي تراجع دورها.
الآباء والأمهات جزء من الكارثة، فالأب يعمل مثل الآلة ومرهق ومتعب بسبب التزاماته، ولا يسأل عما يفعله أولاده، والأم مشغولة بألف قصة، وتترك أولادها في الشوارع، نهبا لسوء التربية، والمخدرات، وقلة الأخلاق، وبحيث يتلقى الكل جرعته عبر الموبايل وبرامج السوشال ميديا التي تصنع التفاهة، وتدعم الرموز التافهة، التي لا يوقفها أحد، برغم المضمون التافه الذي يتم تقديمه، وكأن المطلوب تدمير بنية هذه الأجيال، وتخريبها، وفصلها عن هويتها، وقضاياها.
سألت سؤالا عبر صفحاتي على الفيسبوك وتويتر، عن السبب في هذا المشهد، وأين دور الآباء والأمهات في التنبه لما يتعرض له الأبناء، فكانت المفاجآة أن أغلب المعلقين قالوا إن الآباء والأمهات ذاتهم خربوا، وتهشمت بنيتهم، لاعتبارات اقتصادية، أو اجتماعية أو اقتصادية، وأن الآباء والأمهات بحاجة أصلا إلى تربية جديدة، قبل أن نطالب بتربية الأولاد، وترقية أخلاقهم.
اذهبوا إلى أي مكان في المولات، المدن، الشوارع، الأحياء، وارصدوا الظواهر وقوموا بتحليلها، وسنجد أننا فعلا أمام مستقبل خطير، تتراكم مؤشراته منذ هذه الأيام، بعد أن تفككت العائلات، وتراجعت المسؤوليات، وتم ترك كل هذه الأجيال للخراب ليستثمر فيها، وهي أجيال تفتقد اليوم، القدوة الحسنة، والتربية الدينية الجيدة، وتتغذى من وسائل بديلة عن العائلة والمدرسة، ويكفي أن تتحدث مع أي شاب تحت الثامنة عشرة من عمره لتكتشف الاضطراب أو العدائية، أو الجهل، أو عدم المبالاة، في شخصيات كثيرين، تم تشكيلهم بطرق جديدة.
هذا الموضوع ليس تربوياً بالمعنى المعتاد، لكن اللافت للانتباه أن العائلات لا تمون على الأولاد، ولا تربي أصلا، إلا ما ندر، وقد يكون الواقع صعبا إلى الدرجة التي لا يمكن فيها السيطرة على الابن أو الابنة، خصوصا، أن الآباء والأمهات ذاتهم، يديرون البيوت بطريقة غريبة، فالأب المنهك، أنجب الأبناء ورماهم للأيام، والأم مشغولة بالتيكتوك، وحديث الجارات، والمطبخ، وغير ذلك، وربما بسبب العواطف العمياء تغطي على أخطاء الأبناء والبنات في البيوت، من الأب الغاضب.
كل هذا يتعلق بمن تحت الثامنة عشرة من العمر، أما من فوق هذا العمر، فهم إما يائسون في دراستهم، أو بلا عمل، حيث نصف الأردنيين من عمر 18 إلى 24 بلا وظائف، وليس لدى أغلبهم الاستعداد أصلا للعمل بوظائف، رواتبها منخفضة جدا، فوق المشقة والتعب، وهذا الكلام يعني تعقيد المشكلة بشكل بنيوي، ودخولنا مرحلة فراغ اجتماعي يهدد بإحلال أنماط بديلة خطيرة.
الذي يزيد من سوء المشكلة، صناعة التفاهة في العالم، والعالم العربي حصرا، بما فيه هذه البلاد، فالتفاهة باتت صناعة تتدفق عبر وسائل مختلفة، لطمس هوية هذه الأجيال، وتحويلها إلى مجرد كتل لحم تأكل وتشرب، ولا هدف عندها، ولا ثقافة، ووسائل هذه الصناعة متعددة، من تغييب الوازع الديني، وإحلال رموز تافهة أيضا تقود هذه الأجيال عبر الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، وإشغالهم بكل التوافه، التي يتم بثها عبر المؤثرين، وصانعي المحتوى الذين لا يسألهم أحد عما يفعلون، إضافة إلى غياب الأب والأم، وضعف الدور التربوي للتعليم، وترك البلد مفتوحة لكل أنواع الثقافات التي تدمر بنية هؤلاء، مع غياب قضايا أساسية، كانت تؤثر إيجابا في هذه الأجيال، من خدمة العلم، إلى الكشافة، إلى النوادي الصيفية المحترمة، وغير ذلك من مؤثرات إيجابية، تمنع اختطاف هذه الأجيال، وتقف في وجه تخريب بنية البلد الاجتماعي.
إذا جاز لنا أن ننصح هنا، فإننا ننصح الآباء والأمهات أن يلتفتوا إلى أولادهم قليلا، بدلا من تركهم مخطوفين لكل شيء، من الشارع، إلى وسائل التواصل الاجتماعي، وصولا لرفاق السوء.
صناعة التفاهة، مقصودة، وممولة، ونحن نتفرج، وسندفع ثمن سكوتنا جميعا.