الإثنين، 12-06-2023
04:48 م
كالعادة، وكما الحال بعد كل فترة زمنية ترتفع وتيرة توقعات صالونات سياسية بالحديث عن تغييرات عميقة وشاملة، من بينها تعديل حكومي، ولا تقف الأمور عند حد التوقع وإنما يذهب أولئك للقول إن الضوء الأخضر صدر للسماح بتعديل الحكومة مترافقا مع تغييرات في أكثر من موقع سياسي مهم.
ليست تلك المرة الأولى التي يجري فيها حديث عن تغييرات شاملة، ولن تكون الأخيرة، فالصالونات السياسية طالما اعتادت خلال كل فترة الحديث عن ذلك، وتبدأ التكهنات بالتخمين والتوقع، ثم مع الأيام يبدأ آخرون بالحديث بشكل أكثر إسهابا، فيجري تداول كلام عن مناقلات وتغييرات ستجري في مواقع سياسية مختلفة، والملفت أن من يتحدثون بذلك يمنحون محدثيهم شعورا كأنهم أحد الأطراف التي كانت جالسة وقت تم تناول ذلك.
لو أردنا تحليل المعطيات سياسيا، فإن الأمر الأول الذي نراه ماثلا وواقعيا هو أن هناك دورة استثنائية لمجلس الأمة التاسع عشر تلوح في الافق، ويعزز ذلك أن الحكومة خلال الفترة الماضية أقرت عددا من مشاريع القوانين المعدلة التي تحتاج لموافقة مجلس الأمة (النواب والأعيان) وهذا يعني عقد الاستثنائية منتصف الشهر المقبل على أبعد تقدير.
بالتزامن فإنه لا شك أن الحكومة بات عليها إما تجديد طرحها أو الذهاب باتجاه آخر، ولو افترضنا أن التعديل هو الأقرب للحكومة- إن لم يرَ صاحب القرار غير ذلك- فإن ذلك يعني أن الحكومة عليها ضخ دماء جديدة لفريقها، والانتقال من مرحلة الوعود والانتظار لمرحلة العمل.
الحكومة عليها الظهور بأن لديها وسائل وآليات تستطيع من خلالهما البحث عن حلول واقعية وعميقة لمشاكلنا الاقتصادية والاجتماعية وغيرها من مشاكل يعاني منها المواطن، وتتحدث عن سياسات ملموسة على أرض الواقع، وليست سياسات في علم الغيب.
المواطن يعاني من صعوبات اقتصادية جمّة، وعجلة الاقتصاد لم تدر بالشكل الكافي والمناسب الذي يمكن للمواطن ملامسته، كما أن القضايا الاجتماعية والأمنية تضغط بشكل كبير وخاصة في موضوع المخدرات والأمن المجتمعي، وهذه مواضيع أكثر من مهمة يتوجب على الحكومة وضع حلول جذرية لها.
في الجانب الآخر فإن الحديث عن تغييرات في مواقع مختلفة يلزمه الكثير من التأني، فتلك ستبقى مجرد توقعات يعتمد أصحابها على فترات زمنية قضاها مسؤولون في مواقعهم، ومقاربة الفترة الزمنية التي قضاها آخرون في ذات الموقع، وبالتالي فإن ذاك الكلام عن التغييرات سيبقى محصورا برؤية صاحب القرار فقط.
نحن الأردنيين نتحدث كثيرا في السياسة، وهو حديث لا نمل منه، ولا تخلو أي مناسبة أو جلسة أو بيت فرح أو عزاء إلا ويحضر كلام موسّع حول الوضع السياسي والاجتماعي، ولكننا أيضا ورغم أننا مغرمون حتى النخاع بالسياسة تحليلا ونقدا، إلا أن سوادنا يعزف بقوة عن الانضمام والانخراط بالعمل الحزبي، وما زال معظمنا يقف على الحياد، ويبتعد بخطوات عن الانخراط حزبيا، ما يدفعنا لمطالبة عقل الدولة ملامسة ذلك، والذهاب لمنح الأحزاب مساحتها دون تدخل أو فك وتركيب، فالمرحلة تتطلب منح الأحزاب دورها ومساحة نقدها، والحكومة عليها الدخول بحوارات مكثفة وواسعة مع الأحزاب سواء تلك التي تشكلت حديثا أو التي صوبت أوضاعها، والاستماع لخططها وبرامجها وإشراكها في حل مشاكل الدولة والوطن.
وقت ذاك يمكن أن نلمس إقبالا أكثر على الأحزاب وانخراطا مجتمعيا فيها، وستصبح الحوارات التي تحدث في الصالونات السياسية أو بيوت العزاء والفرح مجالا رحبا لجلب مؤيدين لهذا الحزب أو ذاك، وهذا لا يمكن أن يحصل دون أن تمتلك الدولة رؤية واضحة لتغييب المناطقية والجهوية والعشائرية عن فكرها، وتعزيز مبدأ سيادة القانون ومحاربة الواسطة والمحسوبية بكل الطرق الممكنة، فتلك الآفة (الواسطة والمحسوبية) كانت بداية زعزعة ثقة الناس بالحكومات، وبات البحث عن واسطة لتمرير أي قضية وسيلة رائجة عند أبناء المجتمع، وهذا بحد ذاته أثر على بنية الدولة وأدى لتراجع فكر الدولة الجامع.