يكفينا ذرا للرماد في العيون، وسواء طبقت إسرائيل خطة ضم الضفة الغربية، الآن، ام قامت بتقسيطها، أو تأجيلها إلى ما بعد الانتخابات الأميركية، أو تخلت عنها تجنبا لكلفتها الأمنية، فإن الواقع الميداني أخطر بكثير، من موجة التعليقات التي تحتفي بالتعثر الإسرائيلي.
ما هو أهم قائم وثابت يرتبط بكون إسرائيل لن تقبل قيام دولة فلسطينية، على ما تبقى من أرض فلسطين، وقد أعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية ذلك مرارا، ومعه يتفق أغلب ساسة الاحتلال، إضافة إلى إجراءات ضم القدس، وتحويلها إلى عاصمة موحدة وهو الأمر الأخطر الذي مر، دون أن يوقف إسرائيل أحد عند حدودها، أو يعترض ويمنع التوجه.
أكثر من مائة وثلاثين مستوطنة إسرائيلية ما تزال في الضفة الغربية، بعضها من الاسمنت، وبعضها قابل للتفكيك، وكلها تحت السيادة الأمنية الإسرائيلية، وغور الأردن في الجانب الفلسطيني تزرعه إسرائيل ويساهم بعشرة مليارات دولار سنويا في الاقتصاد الإسرائيلي، وذات الاحتلال يقتحم الضفة كل يومين، ويعتقل من يريد، وينسق أمنيا مع سلطة أوسلو.
وزير الخارجية الإسرائيلي يلمح إلى أن قرار الضم قد يؤجل، ومثله يخرج مسؤولون إسرائيليون، ورئيس الحكومة البريطانية يصحو من غيبوبته ويقول إن بلاده لن تعترف بأي ضم للحدود يمس مناطق 1967، وقد وصلنا إلى مرحلة مؤلمة حقا، إذ بعد ان كنا نطالب بكل فلسطين التاريخية، صرنا نحتفل اليوم، بتأجيل يوم إعلان ضم مناطق في الضفة الغربية.
الضم أمر واقع، وإلا كيف نفسر السيطرة العسكرية والاقتصادية الإسرائيلية على الضفة الغربية، لكن تعثر التوجه الإسرائيلي مفيد من ناحية محددة فقط، أي خضوع الحكومة الإسرائيلية لاعتبارات داخلية ودولية، اجبرتها على التجميد المؤقت، الذي قد يثبت لاحقا، ان إسرائيل قد تلعب حوله، عبر إطلاق سيناريو متدرج للضم، بدلا من الضم الكلي، أو ارتداد ذلك إلى أزمة إسرائيلية تؤدي إلى انتخابات مبكرة مجددا، أو انتظار نتائج الانتخابات الأميركية في الرابع من تشرين الثاني، وما سيطرأ على سياسات واشنطن لاحقا ؟.
من اللافت للانتباه هنا ان حسابات إسرائيلية داخلية هي التي أدت الى هذه العرقلة، ابرزها الصراع ضد رئيس الحكومة الحالية، واعتراض المؤسسة الأمنية والعسكرية التي لا تريد الدخول في حسابات معقدة الآن، بعد ان ارتاحت إسرائيل من عبء الضفة الغربية الأمني، بعد تسليمه لسلطة أوسلو، إضافة الى حسابات داخل الكنيست، والأحزاب، واعباء مواجهة كورونا في إسرائيل ووجود مليون إسرائيلي عاطل عن العمل، بما يجعل أولويات اجنحة متعددة في الاحتلال موجهة الى قضايا أخرى، ولا تريد حاليا التورط في ملف ضم الضفة الغربية.
علينا ان ندقق جيدا، إذ ان هذا ليس انتصارا حقيقيا، كون الحكومة الإسرائيلية القائمة على الائتلاف ستحاول اللجوء الى وسائل بديلة، والى تعويض التيارات التي تؤيد الضم، عبر موجات بناء مستوطنات جديدة، وبحيث يكون الضم يوميا، عبر اعمال البناء، وهو أمر نعيشه منذ العام 1967، عبر ضم الأرض والسيطرة عليها، وبناء المستوطنات، والسيطرة أيضا على المياه والزراعة والكهرباء في الضفة الغربية، وإذا كان هذا الأمر يعد انتصارا لدى المحتفلين، فإن إسرائيل التي تجفف موارد سلطة أوسلو، وبحيث بات الموظفون الفلسطينيون فيها، بلا رواتب منذ شهرين، ستكون مصرة على تعذيب الفلسطينيين اقتصاديا، وسط تأثيرات وباء كورونا، وما يعنيه ذلك من تراجعات اقتصادية قابلة لان تتعاظم من حيث كلفتها السيئة.
الحملة السياسية الأردنية وتحشيد الأوروبيين والعالم، لعبت دورا كبيرا في عرقلة التخطيط الإسرائيلي، لوجود مصالح اردنية لا يمكن تجاوزها، لكن علينا ان ننتبه الى ان طبيعة الاحتلال، وحساباته الداخلية، لن تقبل بهذا التكييف لمشروع اطلقه نتنياهو، وقد يبحث الاحتلال خلال الفترة المقبلة، عن بدائل لا يبدو فيها مهزوما، من جهة، ولا يظهر بصورة الذي تخلى عن مخطط الضم السياسي النهائي لثلاثين بالمائة من الضفة الغربية.
الازمة لم تنته، وعلينا ان نقرأ بعمق، ماذا يجري في إسرائيل، وان نتذكر ان الضم واقع ميداني تدريجي، وانه سوف يتواصل بذات الوتيرة، وربما أسرع عبر بناء المستوطنات الخاضعة أساسا للسيادة الإسرائيلية، وسيطرتها العسكرية والأمنية، وهذا ما يجب وقفه حقا.