الأحد 2024-11-24 08:20 ص

على هامش يوم الأب الذي لم أعرفه !!

03:58 م
لم أدركْ والدي حسن بن سليمان أبو علي الطفيلي، الشهم الجواد، جذري العميق الذي كان ينشجُّ وهو يغالب الموت في غرفته بالمستشفى الطلياني بعمّان؛ حرقةً على مصيري ومصير شقيقتي خديجة، الموحش المظلم والمجهول.


حملت سيارة الإسعاف والدي، من كامب شركة نفط العراق IPC في الاجفور H.4، إلى المستشفى الطلياني في عمّان، ومعه جدي مزعل.

قال لي جدي:

«ظـلَّ قلبه طيلة الوقت هناك في الإجفور، يستبدّ به القلق على مصيرك ومصير شقيقتك خديجة».

وقال لي جدّي الذي لازمه في المستشفى طوال الوقت: كان أبوك متعلقاً بك بشدّة، يحملك بالساعات ويناغيك، ويحيطك برعاية تامة ويحاول أن يصمد من أجلك، وظل ينشج ويجوح كذئبٍ في شَرَك، قلقاً على مصيرك، لم يكن مصيره هو ما يقلقه».

لم يتمكنوا في المستشفى الطلياني من إنقاذه.

روت لي أمّي أنَّ جدي كان صديق والدي الأقرب، كان «صحنهم واحد ورغيفهم مناصفة»، وأنَّ والدي أسلم الروح بين يديه في المستشفى الطلياني بعمان، الذي رقد فيه 26 يوماً، لم يفارقه خلالها يوماً واحداً، وأنَّه ظلّ يوصيه بالطفلين، أنا وشقيقتي خديجة، كلَّ ساعةٍ من ساعات كلِّ يوم.

توفي والدي يوم 26 شباط 1949، وهو في الثالثة والثلاثين، كان فتى فارعاً أسمر، وسيماً، نحيلاً، ميسوراً بفضل عمله في شركة نفط العراق. وتمت مواراته الثرى في المقبرة التي تقع في أول طلوع المصدار في عمان.

حدّثتني جدتي فضيّة فقالت: كانت أمّك ترفع وجهها إلى السماء كلّ ليلة، وهي تكفكفُ دموعها على وفاة أبيك، وتقول: «يا ربّ لمن تركت هذا الطفل اليتيم، يا ربّ خـلِّ عينك على إبني، يا ربّ لا تكسر خاطره أبداً، يا ربّ يسّر أمره، يا ربّ أنت أبوه ومرشده وهاديه».

وأضافت جدتي فضية: كانت أمّك تسحب عليك الغطاء مساءَ كلّ ليلة، تهدهدك وتقبّلك، وهي تغنّي لك بصوتها الرخيم الحزين، أغنية الطائر المخذول مقصوص الجناحين، فقد كنت طيراً مقصوص الجناحين وحتى بلا جناحين.

(حسرتي عالطير قصوا جناحه،

طير(ن) بلا جنحان كيف يطير).
gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة