الإثنين، 09-01-2023
04:23 م
قرأت مؤخرا عددا من المقالات التي تناولت الشأن المحلي من واقع الأزمة الاقتصادية التي يعيشها الأردن، وتعيشها معظم دول العالم، بل ويعيشها النظام العالمي بأكمله نتيجة الاختلالات الحاصلة في العلاقات الدولية، والحروب الظاهرة والخفية بين الأقطاب، بما فيها الحروب التجارية، وغيرها من العوامل الناجمة عن اهتزاز الثقة بالأنظمة المالية السائدة، وحالة عدم اليقين التي تشكل عائقا أمام عمليات التفكير والتخطيط على جميع المستويات!
ضمن هذه الصورة المعقدة لواقع الدول في نطاقها المحلي والإقليمي والقاري والدولي فإن الكثير من تلك المقالات لا تميز بين العناصر المحلية لأزمتنا الاقتصادية التي يمكن الاستدلال عليها بكل بساطة من حجم المديونية والعجز في موازنة الدولة للعام الحالي وبين العناصر الخارجية كأمر واقع لا يمكن معالجته، وإن كان من الواجب التصدي لآثاره السلبية على الاقتصاد الوطني، ولكن غياب التمييز غير ناجم عن عدم الفهم وإنما هو نوع من الوصف العام لحالة الاقتصاد يحمل المسؤولية كلها للدولة وكأنها مسؤولة عن الحلول كلها!
في السياق نفسه تتشكل حالة من سوء التقدير لمكانة الدولة في عمقها الإستراتيجي وفي امتداداتها الإقليمية والعالمية، وكأن ضعفها الاقتصادي هو عنوان يؤشر إلى ضعف كلي، بل إن الصورة بجميع مكوناتها الجيوسياسية والحضارية وحتى الإصلاحية تتوارى إلى الخلف خارج إطار التحليل الموضوعي الذي يرينا عناصر قوة الدولة في مواجهة التحديات، ليس من أجل الخروج من الأزمة الاقتصادية وحسب، وإنما من أجل الحفاظ على قوة الدولة ومكانتها في النظام العالمي للدول.
أفترض حسن النية على مستوى الكتابة أحيانا، ولكن في غياب الكتابة الموضوعية أمام نمط معين من التحليل العشوائي قد يتم رسم صورة مشوهة للدولة في أذهان مواطنيها، وقد يطمع الذي في قلبه مرض، والأخطر من ذلك هو نشر روح اليأس والريبة والشك، وانعدام الرؤية للمستقبل القريب والبعيد.
عمق الدولة الاستراتيجي هو الذي يحافظ على سلامة وأمن واستقرار الدولة، هو ذلك المكان الذي يشبه الروح في الجسد، وهو الانتماء الذي يشكل الخط الفاصل بين الحفاظ على الجسد، وبين إنهاكه بدنيا ونفسيا، وتحطيم معنوياته، ومصادرة مستقبله وطموحاته، وحقه في حياة كريمة آمنة، فالأردن الذي بناه الأجداد والآباء في أصعب الظروف لم يكن يوما سهلا ولا ضعيفا في مواجهة أعتى التحديات والمخاطر والصعوبات، وهو اليوم على هذا الحال، يواصل مسيرته ويحافظ على وجوده ويأخذ بقوة واقتدار زمام المبادرة في ايجاد الحلول للأزمات الإقليمية والقومية والدولية الراهنة.
هنا نعرف أبعاد السياسة الأردنية وامتداداتها حين ترسم خطوط التلاقي بين الأضداد في المنطقة والعالم، وحين يكون بمقدورها كذلك أن ترسم الخطوط الحمراء عندما يتجاوز التمادي حدود الصبر والسياسات الهادئة والمبادرات الفاعلة في تقريب المسافات من حوارات العقبة إلى لقاءات القمم العربية والإسلامية، وإلى الأمم المتحدة ساعة من أجل تفعيل دور الشرعية الدولية في حل الصراعات والحفاظ على الأمن والتعاون العالمي، وساعة في نشر الوئام بين الديانات، وأخرى بالمشاركة في قوات حفظ السلام، فهل كانت تلك المجموعات لتقبل بهذا الحضور القوي لو كان الأردن على تلك الصورة التي ترسمها بعض المقالات عن حسن أو سوء نية، وكلاهما سيان!
العمق والبعد يشكلان معا القيمة الحقيقية للدولة، وكلاهما يحتاج إلى مستوى عال ورفيع من التفكير والتعبير والشرح، وقد حان وقت الانتباه في ضوء الأحوال المحيطة بنا، والتي أصبحنا على تماس مباشر بها، إلى أن بعض ما يقال على سبيل النقد لا يفيدنا بقدر ما يخدم خصومنا والمتربصين بنا!