في أوساط لجنة الأوبئة وعديد المسؤولين هناك جدل محتدم حول العودة للمدارس أم اعتماد التعليم عن بعد. العودة للتعليم في المدارس حسمت من حيث المبدأ رغم الأصوات المعترضة، لكن النية تتجه لاعتماد نظام هجين كما صرح وزير الصحة يجمع بين التعليم عن بعد والدوام المدرسي لمدة ثلاثة أيام في الأسبوع في المدارس التي يزيد عدد الطلاب في الصف الواحد على عشرين طالبا. أما المدارس بصفوف أقل من ذلك فالدوام فيها سيكون كاملا وطيلة أيام الأسبوع.
هذا يعني ببساطة أن معظم المدارس الخاصة ستدوام طيلة أيام الأسبوع فيما معظم المدارس الحكومية ستعتمد النظام الهجين، نظرا لاكتظاظ صفوفها، خاصة مع انتقال ما يقارب من خمسين ألف طالب من الخاصة للحكومية. بهذا المعنى فإن طلبة التعليم الخاص سيحظون بميزة عن أقرانهم من طلاب المدارس الحكومية، لأننا جميعا ندرك ومن خلال تجربة العام الدراسي الأخير أن التعليم عن بعد أقل جودة وفاعلية من التعليم عن قرب، وقد اشتكى كثيرون، حتى في المدارس الخاصة من تدني مستوى أبنائهم جراء التعليم عن بعد.
ثم ان القول بالتركيز سيكون على المواد الأساسية فيه قدر كبير من المغالطة، فكل المنهاج الدراسية بالأهمية نفسها للصغار تحديدا. وبالنسبة لطلاب الصفوف الأساسية الوجود اليومي في المدرسة والتفاعل مع المعلمين والمعلمات يؤدي دورا حاسما في تأسيسهم وبناء شخصيتهم بفضل التفاعل الصفي وخوض تجربة الحياة في بيئة مدرسية. مالذي يدفعنا أصلا للتفكير بهذه الخيارات؟
الهدف هو حماية طلبة المدارس من خطر انتشار فيروس كورونا،هذا صحيح، لكن ماهو تأثير عدد أيام الدوام على المنحنى الوبائي وانتشار الفيروس؟ يكفي أن يلتقي طلبة المدارس ليوم واحد في الأسبوع لنقل العدوى بينهم وحملها لبيوتهم. لست متأكدا من أن ما نشهده حاليا في الأردن يمثل الموجة الثانية من المرض، فتقديرات منظمة الصحة العالمية تربط بين فصل الشتاء والموجة الثانية، وفي منطقتنا لم نبلغ هذه الوقت بعد. اعتقد أن ما نشهده حاليا ليس موجة ثانية بل موجة عابرة، حدثت بفعل أخطاء إدارية وتنظيمية على المعابر الحدودية، وتحديدا معبر جابر. وهناك فرصة قوية لاحتواء الموجة في غضون أسبوعين إذا التزمنا بالإجراءات المعتمدة والمشددة.
كما لايمكننا تجاهل الحقائق الطبية التي اثبتتها التجارب بأن صغار السن أقل تأثرا بأعراض فيروس كورونا، وأقل نشاطا في نقل الفيروس لغيرهم من الفئات العمرية الأخرى. عودة كاملة غير منقوصة للمدارس هى الخيار الأسلم حاليا. لقد عانى الطلاب كثيرا جراء انقطاعهم الطويل عن المدارس، وفقدوا الكثير من مهاراتهم وسنحتاج لعدة أسابيع لتنشيط قدراتهم ورفع لياقتهم الذهنية قبل العودة للمسار السابق، وأي انقطاع جديد عن الدوام المدرسي سيخلف أثرا سيئا على طلاب المرحلة الأساسية تحديدا، وعلى المدى الطويل.
البروتوكول الصحي الذي اعتمدته وزارة التربية والتعليم إذا ما طبق حرفيا فهو كفيل بتوفير شبكة حماية ممتازة لطلاب المدارس، شرط تطوير نظام إنذار مبكر في كل مدرسة للتعامل مع كل حالة مشتبه بها فورا وعزلها. التقديرات العالمية تفيد بأن الوباء سيبقى نشطا لمدة عامين على الأقل قبل اعتماد المطاعيم بشكل نهائي، فهل نبقي مليونا ونصف المليون طالب في بيوتهم كل هذه المدة؟!