الإثنين، 17-01-2022
12:41 ص
خلال فترة عمل اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية التي تشرفت بأن أكون أحد أعضائها، وفي كلّ المجالات التي اجتهدت عليها اللجان الخاصة بقانون الأحزاب، وقانون الانتخاب، والتعديلات الدستورية، وتمكين المرأة والشباب؛ ظهرت الحاجة الأكيدة لتحديث الإدارة العامة، على أنها الأرضية الصلبة الضرورية لنجاح عمليات التحديث والإصلاح السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي.
الحديث هنا يتركز على اعتبار أن قوة مؤسسات الدولة العامة والخاصة واحدة من عناصر قوة الدولة، وأنها المعيار الحقيقي لسلامة أدائها الكلي، والمقياس المتفق عليه لمدى تطورها، وقدرتها على التعامل مع المستجدات، وعمليات النهوض، وتلك هي المعاني التي أشار إليها جلالة الملك عند اجتماعه برئيس لجنة تحديث القطاع العام التي تشكلت مؤخرا وأعضائها؛ حين أكد أن الإصلاحات يجب أن تكون شاملة ومتكاملة، كي تترافق المسارات الإدارية والسياسية والاقتصادية مع بعضها، ودون ذلك ستتأثر عملية الإصلاح برمّتها.
منذ وقت طويل ومشاريع تطوير الإدارة العامة في بلدنا لا تتوقف أبدا، وفي الحقيقة لم يكن وصف مؤسسات الدولة « بالترهل» دقيقا، ولا منصفا، فلقد خبرنا بعضها يعمل وفق معايير عالية الجودة، ولا ننسى أن عددا منها قد حصل على جائزة الملك عبدالله الثاني لتميز الأداء الحكومي والشفافية، وغيرها من شهادات التميز والجودة العربية والدولية، ولكن الأداء الكلي لم يكن على سوية واحدة، وكذلك الشأن بالنسبة لمستويات التدريب والتأهيل، والشروط الوظيفية وغيرها مما نعرف أسبابه، وطرق معالجته!
لقد شرح الدكتور بشر الخصاونة رئيس الوزراء – رئيس اللجنة– الإطار العام لعمل اللجنة، والأهداف، والآليات، والمراحل، وصولا إلى إستراتيجية واضحة المعالم تأخذ في الاعتبار مواطن الخلل في المؤسسات ومعالجتها بشكل فوري، وتحسين الخدمات وأتمتتها، وزيادة التفاعل بين القطاعين العام والخاص، وتقديم أفضل الخدمات للمواطنين، كل ذلك في نطاق ما يعرف بإعادة هيكلة الجهاز الحكومي.
إعادة هيكلة، أم إعادة هندسة مؤسسات القطاع العام؟ ذلك ما يفترض أن تبحثه اللجنة، بوصفه مقدمة لتحديد خريطة الطريق التي سترسمها لتحسين الإدارة العامة وتحديثها، طالما أن هذا التحديث مرتبط بمسارات سياسية واقتصادية واجتماعية، ومرتبط كذلك بانتقال الدولة إلى مئوية ثانية من عمرها، تتزامن مع تحولات عالمية هائلة في أعمال الإدارة للمؤسسات العامة والخاصة ومهماتها، وأساليبها، وقد أدخلت مفاهيم جديدة على كيفية قياس مستويات الجودة والأداء، من أجل تحقيق الغايات والأهداف الكبرى، وكسب رضا المواطنين، سواء كانوا متلقين للخدمة، أو زبائن، أو مستهلكين، وعلى هذا الأساس وضعت نظريات إعادة الهندسة؛ كي تتجاوز مفهوم إعادة التفكير لغايات التحسين، إلى مفهوم إعادة تصميم الأعمال والمهمات بناء على التغيرات أو التحولات التي تمر بها المؤسسة أو الدولة، بما يضمن قدرتها على الثبات والمنافسة والنجاح.
إنها في اعتقادي مسألة تستحق النظر، ويستحق معها القول إن نقطة البداية تكمن في عمليات التفكير، والتخطيط، والإدارة الإستراتيجية، وفي الحوكمة بأبعادها الثلاثة: « التشاركية، والشفافية، والمساءلة»، وبها تتحقق قوة الإدارة، وفاعليتها، ومخرجاتها، وعن ذلك سأكتب في مقال لاحق، بإذن الله.