من غير المقبول التسليم بما يجري في المجتمع من جرائم، واعتباره نتيجة لتعاطي مخدرات فقط، وانما علينا التفكير بعقل بارد، والتعامل مع كل ما يجري في المجتمع من تغييرات سلبية وجرائم غير معهودة باعتبارها تحولات باتت تهدد السلم الاهلي والمجتمعي، والبحث في الجذور العميقة لها، ووضع حلول علمية تتضمن الاسراع في حلها قبل ان يتواصل تطورها لدرجة لم يعد بالإمكان السيطرة عليها، ثم نجد انفسنا لاحقا مستسلمين لتلك التطورات.
المعالجة لا تقف عند الاستنكار او حملات المداهمة، وتعزيز التواجد الامني، فتلك اجراءات رغم اهميتها بحاجة لحلول طويلة الامد والوصول لعمق المشاكل المجتمعية وعدم انكارها، والابتعاد عن التنظير الذي لا يقدم ولا يؤخر. أحداث العنف والقتل التي حصلت في الفترة الاخيرة، تشكل بحد ذاتها ظاهرة جديدة في اسلوب وطريقة ودوافع ارتكابها، وهذا النوع من الجرائم بعيدا عن اسبابها، فإننا لا يمكن انكار انها تهدد السلم والامن المجتمعي وتساعد وترفع منسوب ترويع الناس، فضلا عن دورها في تشويه صورة الأردن.
المخدرات والتعاطي آفة، بيد ان الاتكاء عليهما وحدهما لا يغطي حقيقة ما يجري، فذاك يشكل هروبا من معالجة المشكلة بشكل دائم، وانما علينا البحث عن اسبابها، وهذا يدفعنا للتفكير بأهمية وضرورة النظر الى ما يجري بعين الطبيب الجراح الذي يريد استئصال اساس الداء بعيدا عن المسكنات التي لا تفيد.
نريد تكثيف الحملات الامنية ووضع حد للتهريب والقبض على المهربين والمتعاطين والزعران وفارضي الاتاوات وموزعي المخدرات، والبحث في الوقت عينه عن آليات ناجعة لوضع حد لما يجري، وهذا يتطلب من مؤسسات الدولة سواء تربوية او أكاديمية او أمنية او عشائرية او دينية او مؤسسات مجتمع مدني، العمل بجهد للمساعدة في الوصول لحلول وإبعادنا عن مطالعة جرائم يومية باتت تدمي وتتعب القلوب.
العام الماضي بلغ عدد جرائم القتل 106 حالات توزعت بين 88 حالة من قبل ذكور و18 حالة من الاناث، وتم تسجيل 148 حالة انتحار وزعت بين 47 حالة من الاناث و101 حالة من الذكور، وسجل 12 حالة وفاة باصابات بالعيارات النارية و77 حالة شنق و22 حالة حرق ووفاتين بتناول جرعة زائدة و5 حالات بتناول مبيد حشري و21 حالة سقوط وحالة ذبح عنق بواسطة مشرط وحالة بتناول مادة سامة وحالة بتناول مادة حارقة وحالة بشرب مادة كيميائية وحالة انتحار بغاز بيتي و4 حالات بتناول ادوية وعقاقير وحالة غرق. المشكلة المركبة اننا نغضب ونحزن عند مطالعتنا للجرائم التي ترتكب، بيد ان ذاك لو استمر يجعلنا نتعود على ما نسمع وكأنه بات جزءا منا وهذا يساهم في تغيير شكل المجتمع، ويجعلنا نلهث وراء البحث عن طريقة تعود بنا لما كنا علينا سابقا دون ان نستطيع. لذا فإن المعالجات العميقة هي الوحيدة التي تجعلنا ننقذ مجتمعنا مما يريد البعض ارسالنا اليه، ولذا فإن بداية المعالجة تبدأ في الإيمان بالإصلاح السياسي وتعزيز التنمية السياسية وتفعيل دور الشباب وتعزيز الحريات، وتعديل التشريعات والمساهمة في تطوير ديمقراطية فاعلة على أساس التعددية السياسية التي عمادها الأحزاب السياسية، وتكوين برلمان مكون من أحزاب وكتل برامجية، واهتمام ببرامج التعليم والتعليم العالي والبرامج الإعلامية والتوعية والإرشاد، واحترام الآخر، واحترام الاختلاف، وتعزيز الثقة لدى الشباب بمؤسسات الوطن الأمنية والقضائية.
وفي السياق فإن المعالجة تبدأ بإعادة النظر في برامج تشجيع الاستثمار وتنظيم سوق العمل والأجور، لتحسين الإنتاج ودفع عجلة الاقتصاد في المجالات كافة وخلق فرص عمل حقيقية للشباب ومعالجة جيوب الفقر في المناطق المهمشة من الأرياف والبوادي والمخيمات، والحد من البطالة، وإنجاز إطار تشاركي تسهم فيه الحكومة وجميع الأطراف، وصولا لبناء خطة استراتيجية وطنية واضحة المعالم لمراجعة نظامنا الاجتماعي وفق رؤية عصرية مدنية.