قراران هامان اتخذتهما الحكومة ضمن حزمة الإجراءات التي أعلنتها لتنشيط الاقتصاد وتحفيز الاستثمار ، الأول عدم الحجز من قبل دائرة الجمارك ، ودائرة ضريبة الدخل ، ومؤسسة الضمان الاجتماعي على الشركاء أو المفوضين بالتوقيع في شركات المسؤولية المحدودة ، أو المساهمة الخاصة ، أو المساهمة العامة المحدودة بسبب أية ديون على الشركات نفسها ، والثاني ربط قيمة الحجز التحفظي الصادر عن تلك الدوائر بقيمة المطالبة المستحقة .
لقد أدت تلك الإجراءات في الماضي ليس إلى تعطيل
الاستثمار وحسب بل إلى قتله بالنسبة للشركات القائمة أو المستثمرين الجدد ،
والأدهى والأمر من ذلك أنها إجراءات مخالفة لقانون الشركات ، والدلالة هنا تكمن في
أننا كنا وما زلنا ننبه إليه من تعارض وتناقض القوانين والأنظمة مع بعضها ، الأمر
الذي يدفعنا إلى الدعوة من جديد إلى مراجعة تلك القوانين لتصبح حزمة واحدة منسقة
ومنسجمة وواضحة وفاعلة غير معطلة لحيوية الاقتصاد الوطني وتطوره ونمائه!
خطوة في الاتجاه الصحيح ، رغم أنها متواضعة أمام
ما يجب اتخاذه من إجراءات أكثر قوة وجرأة وعمقا ، للخروج من الدائرة المغلقة التي
خنقت القدرات الهائلة ، والميزات التنافسية ، والمشروعات ذات القيمة المضافة بدل
أن تفتح لها الأبواب على مصراعيها ، تجاه النهضة الشاملة والتنمية المستدامة ، لقد
حان الوقت لاستبعاد الاجتهادات الشخصية ، وتعميم الأخطاء الصغيرة على قطاعات
بأكملها ، ولا مفر الآن من إستراتيجية شاملة وفق رسالة ورؤية وغايات وأهداف واضحة
وممكنة تعطي الأولوية للقطاعات ذات الميزة التنافسية والقيمة المضافة العالية وذلك
ما أغفلته حزمة الإجراءات للأسف .
ما أغفل في متناول اليد ، كلفته قليلة ، مردوده
كثير ، ونتائجه سريعة ، ويتركز في قطاعات التعليم ، والصحة ، والسياحة ، والزراعة
، وهي قطاعات ذات قيمة مضافة عالية ، لأن نسبة عالية من مقوماتها محلية وطنية ،
والدلالات هنا تشير إلى خلل في تحديد الأهداف القريبة والأهداف البعيدة وإصابتها
بدقة !
مجرد نظرة عميقة إلى الأبعاد الاقتصادية للتعليم
العالي من حيث مكوناته المحلية ودائرته التشغيلية الواسعة ، فهو قادر على استقطاب
المزيد من الطلبة العرب والأجانب ، جالبا للعملة الصعبة ، ومانعا لخروجها عندما
يغني الطلبة الأردنيين عن الدراسة خارج بلدهم ، والصورة تنطبق كذلك على قطاع
الخدمات الصحية والعلاجية ، عندما يكون جاذبا للمرضى من البلاد العربية ، وقد كان
كذلك لولا ما لا أرغب بالتطرق إليها من أسباب جعلته يتراجع إلى الخلف ، ومن الممكن
الآن معالجة تلك الأسباب بالرقابة والحزم والأمانة والصدق .
كذلك السياحة بحاجة إلى تحفيز يجذب السواح
الأجانب ، ويشجع الأردنيين على السياحة في بلدهم بما يغنيهم عن السياحة في الخارج
، بسبب إغراءات العروض السياحية الرخيصة ، أما الزراعة ، والإنتاج الزراعي فهو
بحاجة لحماية مشروعة ، تزيد من قدراته التصديرية والتحويلية ، وتجعل من معظم
منتجاته الغذائية بديلا عن استيرادها من كل حدب وصوب ، والأهم من ذلك تغيير نوعية
القوى البشرية العاملة في هذا القطاع من خلال وسائل التكنولوجيا الحديثة التي
يستطيعها شبابنا الأردنيون ، ولا تستطيعها العمالة الوافدة بأساليبها التقليدية !
أقترح على الحكومة أن تصدر ملحقا عاجلا لحزمة الإجراءات
تصيب به الهدف القريب الممكن ، والأجدر تركيزا ، والأكثر تأثيرا في تفعيل قطاعات
حيوية آن لها أن تتحرر من أفكار عفى عليها الزمن .