منذ بداية جائحة كورونا يستند خطاب الحكومة إلى أن الصحة والسلامة العامة تتقدم على كل الاعتبارات، وأن هذا التوجه يتيح للحكومة اتخاذ تدابير استثنائية تستند في الغالب إلى أوامر الدفاع.
المرتكز الآخر الذي تحدثت به الحكومة صراحة أن جائحة كورونا مستحدثة ولا مثيل لها من قبل، ولهذا فإن حداثتها وعدم المعرفة بها تعتبر مبرراً مقبولاً ومفهوماً للأخطاء والارتباك، واتخاذ إجراءات يثبت فشلها وعدم جدواها لاحقاً. لا جدال في أن الصحة والسلامة العامة تجيز بعض المحظورات وفرض تدابير استثنائية بحدود، وهو ما لجأ له الأردن وأقدمت عليه دول أخرى، غير أن هذا التوجه ليس صلاحية مطلقة للحكومة، أو «شيكا على بياض» تستطيع أن تستخدمه كيفما شاءت. المؤكد أن استخدام التدابير الاستثنائية يجب أن يرتبط بمبدأ الضرورة والتناسب، وأن يستند لأدلة علمية، فإن أرادت الحكومة مثلاً فرض حظر شامل فيجب أن يكون ضرورياً، والحاجة العلمية له مثبتة. وبالتطبيق على التجربة الأردنية فإن الكثير من التدابير الاستثنائية التي اتخذتها الحكومة لم تقدم لها مبررات علمية لاتخاذها، بل على العكس اعترفت الحكومة مراراً بفشلها وعدم جدواها مثل الحظر الشامل، وفي أحيان أخرى لم تكن ضرورية، وليست مبررة وتأتي متناقضة مع إجراءات أخرى بذات الوقت، كأن تغلق المطاعم والمقاهي وتفتح المطار.
أما التذرع بأن فيروس كورونا سابقة لم تحدث فإن كان هذا مقبولاً في الأيام الأولى، وحتى الأشهر الأولى، لكن بعد مضي 6 أشهر واتساع رقعة التجارب الناجحة للدول، وتراكم الخبرات فإن استدعاء هذه المقولات يبدو قاصراً وليس مقبولاً. المشكلة الأبرز من، وكيف تقدم الحكومة روايتها وسرديتها للجمهور؟
هذا أصبح محط انتقاد وسخرية وتندر الناس، والأمر لا يرتبط بحديث مسؤول ملف كورونا عن «الضبع» وتقديم أمثلة لا تتسق مع المنطق العلمي، بل إن الأمر أكثر عمقاً واتساعاً، والمراجعة العاجلة لمحطات خلال الأزمة تظهر الأمر واضحاً وجلياً، فالحكومة أعلنت مراراً الحظر الشامل وهي ذاتها اعتبرته غير مجدٍ، ومن الماضي، ومع ذلك عادت وفرضته مرة أخرى دون تفسير، وفي ارتباك واضح. والحكومة هي التي أكدت مراراً أن التعليم سيكون وجاهياً ومباشراً في المدارس، ورغم الأسئلة والتشكيك والآراء المحذرة تمسكت برأيها، وبعد أيام تراجعت دون تقديم طرح علمي وطبي متماسك سواء في التعليم المباشر وحجيته، أو في العودة للتعليم عن بعد؟ وحتى قرار فتح المطار، أو الحجر المؤسسي في الفنادق، والتوجه الآن لإلغائه فان الرواية الرسمية تبدو ملتبسة، ومرتبكة، ولا يحكمها مسار أو خطة. لا ألوم الدكتور عدنان إسحق أو أي مسؤول يتصدى للحديث لوسائل الإعلام عن أخطاء وخطايا يقع بها، وحدود الأزمة تتعدى قصة «الضبع» و «البعبع» وتتصل بالجهد الذي يبذل لتأهيل وتدريب قيادات قادرة على التعاطي والتواصل مع الإعلام في الأزمات وفي كل الأوقات.
والمهم أيضا هل توجد لدينا رواية محبوكة، أو سردية تصلح لتقديمها للجمهور ولا تظهر عيوبها، أو كذبها، أو سقوطها أمام الاختبار بعد أيام؟ قبل سنوات قليلة أجبر وزير على تقديم رواية للجمهور كانت تبدو ساذجة في ظرف صعب وحساس جداً، الوزير قبل إعلان هذه الرواية حاول وجادل «خلية الأزمة» على أنها رواية غير مقنعة ولا تصلح، فرفض رأيه واضطر لتقديم رواية كانت وبالاً عليه، وتسببت في شتمه.
رواية الحكومة يجب أن تتسم بالمصداقية، وتكون معبرة عن الحقيقة، ومقنعة للجمهور، وتتوفر بها معلومات كافية، وتستند إلى أدلة وبراهين، وتتجنب الكذب، وتملك جرأة القول «لا نعرف». هذه العناصر المطلوبة للنجاح، فكيف يمكن أن يحدث ذلك إذا كانت القرارات أحيانا تسقط على المسؤولين في «البرشوت» دون نقاش، والمطلوب تمريرها للناس وتنفيذها؟