أبرزت وسائل الإعلام الأردنية الدور الكبير الذي لعبه نائب رئيس الوزراء، وزير الخارجية وشؤون المغتربين أيمن الصفدي، والذي تحرك بتوجيهات ملكية، من أجل تجاوز القمة العربية في الجزائر للكثير من التحديات التي سبقت انعقادها، وكادت تؤثر على انعقادها. وقد تغنت وسائل الإعلام بهذا الجهد، ولكن، هل هذا تمجيد حقيقي؟ أم محاولة لتجميل الصورة وسرد رواية تستهدف استدرار عاطفة الأردنيين وإقناعهم بوهم غير موجود؟!
عبر شاشات التلفاز استمعت، كما غيري من المواطنين، لرسائل بثها الزملاء الإعلاميون من هنا، من الجزائر، وهي رسالة غير مباشرة لشرح دور الأردن المهم في وصول القمة العربية إلى بر الأمان. في الواقع نحن الأردنيين نتردد في مدح مواقفنا وأفعالنا، وهذا ما أكده لي مسؤول أردني رفيع المستوى هنا، طالبا أن يتم توجيه السؤال حول الدور الأردني في هذا السياق إلى السفراء العرب بدلا من أن يتم سؤاله هو حول الأمر.
في صورة تختصر المشهد، وبحسب ما أكده دبلوماسي عربي، فإن ثلاثة ملفات مهمة كانت كفيلة بوأد القمة العربية قبل ولادتها، لولا الجهود الأردنية التي بذلت للخروج بصياغة توافقية جمعت الشمل ولم تفرقه، وقربت وجهات النظر التي كانت بعيدة حد التنافر.
الملف الأول يتعلق بالأمن العربي، حيث كان الموقف المصري تحديدا سيد المشهد بشأن التدخلات التركية في ليبيا، وهو أمر ذو أولوية بالنسبة إلى القاهرة، ما دفع الوزير الصفدي إلى إيجاد صيغة عامة تحت عنوان “صيانة الأمن القومي العربي”، وبالتالي تجاوز هذا المأزق بين مصر وليبيا التي تعتبر علاقتها الثنائية بتركيا شأنا داخليا لا يجوز التدخل به.
أما الملف الثاني، فخاص بمتطلبات ما بعد إعلان الجزائر بشأن المصالحة الفلسطينية، حيث تتمسك مصر بتاريخها في احتضان جميع لقاءات الفصائل الحوارية، فيما ترى الجزائر باستضافتها الأخيرة لجولة الحوار بين الفصائل الفلسطينية، بأنها باتت صاحبة حق في إدارة الملف.
وبشأن الملف الثالث الذي أربك المشهد، فقد تبدى في مطالب عربية بإصلاح الجامعة العربية، الأمر الذي اعتبره الأمين العام المساعد للجامعة السفير حسام زكي أنها مطالب شكلية تتعلق بهيكلة التوظيف وحصص الدول، وهي في حقيقة الأمر تتعارض مع ظروف داخلية في الجامعة، وأن المطلوب، بحسب زكي، هو إصلاح آلية عمل الجامعة.
هذه الملفات حمل لواء حلها الأردن، والذي يتمتع بحضور لافت بحجمه العربي، حتى أكبر بكثير مما نتوقعه أو ندركه. السفير زكي، قال ما مضمونه إنه “لولا الأردن، لما نجحت القمة العربية بالوصول إلى هذه المرحلة”، وهو ما أكده دبلوماسيون عرب أيضا استمعنا إلى آرائهم هنا في الجزائر.
في الواقع، نحن لا نسعى إلى إعطاء الأردن هالة تفوق حجمه الطبيعي، لكن ما شاهدناه على أرض الواقع يقول إن سياستنا الخارجية تفرض المملكة في جميع الملفات التي تمسنا مباشرة، أو تمس دولا عربية أخرى. هذا هو الأردن الذي يراه العرب والعالم اليوم. السؤال الأهم: كيف نراه نحن، أو كيف يتوجب علينا أن نراه؟!