ستنعقد القمة العربية المقبلة في ظل أجواء إقليمية متفاعلة أتت بعد عام شهد الكثير. القمة سيراقبها كثيرون وسيكون لمواقف الدول فيها دلالات على القادم بشأن هذا الإقليم المضطرب، وهل سنغادر مربع “الإقليم المنهار” كناية على عدم قدرة الإقليم على الوقوف على قدميه ومعالجة تحدياته وحده، دون عون من الخارج، وخاصة الولايات المتحدة، التي أدركت وتتصرف أن على دول الإقليم مواجهة تحدياتها بذاتها وأن دور أميركا إسنادي وليس القيام بالعمل بالنيابة عن الآخرين.
انعقاد القمة بالسعودية بذاته أمر مهم، فهي دولة قائدة في المنطقة، وقد مرت بالسنوات الماضية بمراحل سياسية مهمة، تعاملت مع التحديات ونظمت البيت الداخلي، وتستمر بالتقدم داخليا وإقليميا بخطى قوية أثارت إعجاب الكثيرين. للأردن علاقة متميزة أخوية عاقلة مع السعودية، ففي أحلك الظروف وقف الأردن مع السعودية مدافعا عنها ببرغماتية في عواصم العالم، مطالبا واشنطن وغيرها بالتعامل مع السعودية على قاعدة العقلانية والبرغماتية السياسية، والاشتباك مع القيادة الجديدة الواعدة بروحية إيجابية. فعل الأردن ذلك لقناعته الراسخة بالتاريخ والمصير والمشترك، ولأننا كنا والسعودية دوما في الخندق نفسه، ولأن الأردن يؤمن أنه إذا كانت السعودية بخير فنحن ومن حولها بخير، تماما كما يؤمن الأشقاء في السعودية، أنه إذا كان الأردن بخير فهذا حتما خير لهم؛ هذا ليس كلام إنشاء بلا دلالات، فهذا الوصف للعلاقة الأردنية السعودية هو المفهوم الاستراتيجي الذي يعرف التفاعل الثنائي بين الأردن والسعودية على الصعد كافة.
ملفات عديدة على طاولة القمة المقبلة، منها عودة سورية وجلوسها على مقعدها، بعد سنوات عجاف مرت بها، وهي المرة الأولى منذ سنوات التي تعود فيها سورية لتمارس أعمالها في جامعة الدول العربية، بقي مقعدها فارغا باستثناء سنة واحدة جلست فيه المعارضة. سورية تعود وسلوكها يتغير بتدرج، وما التنسيق بشأن الضربات العسكرية لأوكار المخدرات في سورية من قبل الجيش إلا دلالة على ذلك. نبرة سورية واعتدال خطابها السياسي يتبدى شيئا فشيئا، وهذا جيد ينم عن الإدراك أن الاستفزاز السياسي واللغوي الذي مارسته سورية أصبح مستبعدا من الخطاب السوري. أمام سورية الكثير من التحديات، أهمها ترسيخ سيادتها وإبعاد القوات الأجنبية عنها، وهذه معركة قاسية خاصة مع الوجود الإيراني المتغلغل في سورية. سيكون لخطاب سورية أهمية استثنائية في القمة المقبلة، يريد العرب والعالم أن يسمعوا سورية ما بعد الحرب وقد تصالحت مع ذاتها وحددت خطاها الاستراتيجية المقبلة.
ملفات السودان وتحدياته الأمنية ستكون أيضا حاضرة، ومصر ومعاناتها الاقتصادية الحادة أيضا ستكون حاضرة، والملف الفلسطيني والاتفاقات الإبراهيمية ستكون حاضرة. ملف اليمن والاتفاقات الأخيرة بين السعودية وإيران ستأخذ حيزا سياسيا أيضا، وسيكون لافتا إذا ما تمت دعوة طهران كجارة لتقدم طرحها أمام محيطها العربي. الاشتباك الأردني مع إسرائيل سيكون ملفا لافتا في القمة بلا شك؛ حيث أتى بنجاحات مميزة مع حكومة يمينية متطرفة اضطرت لأن تهادن في القدس وتقف موقف الدفاع عن سلوكياتها عالميا، وحتى الاتفاقات الإبراهيمية التي تغنت بها إسرائيل، فقد تحولت الى أداة ضغط عليها بفضل الحكمة الإماراتية والاشتباك الأردني مع الأشقاء.