الكلام الذي قاله نائب رئيس الوزراء الأسبق الدكتور ممدوح العبادي، في محاضرته قبل يومين، ربما من أهم ما سمعناه وقرأناه خلال العام الحالي، فالرجل اتفقت معه سياسيا، أو اختلفت، إلا أنه يعد شخصية سياسية مخضرمة بحق، وله تاريخه في الحياة السياسية في الأردن.
تطرق الدكتور العبادي، في محاضرته في جميعة الشفافية الأردنية، الى قضايا عديدة، تتمحور حول الشأن الأردني، وتوصيفاته حساسة ودقيقة وجريئة، وهو لم يقل هذا الكلام عبثا، بل استند الى خبرة نيابية ونقابية ووزارية طويلة، توجب على كثيرين الوقوف عند نص محاضرته كاملا.
أهم ما في كلام الدكتور العبادي أنه لم يكن شخصياً، بمعنى أنه لم يوجه نقده لحكومة محددة بل تحدث بشكل عميق وممتد، لأننا هنا في عمان نفسر الأشياء أحيانا بشكل سطحي على أساس أن المتحدث يستهدف فلانا أو علانا من القامات الكريمة والمميزة في هذه البلاد. يضرب الدكتور العبادي، أمثلة حول المديوينة والعجز، في سياق حديثه عن الوضع الاقتصادي، ويقول إن المديونية ارتفعت من 12 مليارا العام 2010، ووصلت العام الماضي إلى 36 مليار دينار، أي أنها تضاعفت ثلاث مرات، وأن معدلات البطالة بلغت العام 2014 ما نسبته 12 %، لترتفع النسبة العام 2022 إلى 23 %.
يقول الدكتور العبادي.. "يحضرني قبل كل شيء قول الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، حين قال عجبت لِمن لا يجد قوت يومه كيف لا يخرج للناس شاهراً سيفه، والحق أقوله لكم أني صعقت عندما قرأت تقريراً قبل مدة قصيرة أن نسبة الجامعيات الإناث العاطلات عن العمل في وطننا الحبيب يصل الى درجة 79.42 % من الخريجات، ثمان من كل عشر خريجات جامعيات من بناتنا يجلسن في بيوتهن بانتظار العريس ولا يأتي، لأنه يفضل من تعمل لتتعاون معه على شظف العيش في هذه الدنيا". يذهب الدكتور العبادي ويطرح حلوله بحدة، دون مجاملة أو مراعاة لأحد، إذ إنه بعد استعراض حافل بالحقائق والأرقام حول الوضع الاقتصادي العام، يقول بكل صراحة أمرين. أولهما.. "علينا جميعاً دولة ومواطنين أن ندق ناقوس الخطر والقيام بحالة طوارئ حتى لو تطلب الأمر فرض الأحكام العرفية، والبدء بمحاربة البطالة، وعلينا إعلان الحرب بلا هوادة على من يعيق الحلول الجذرية".
وثانيهما جاء في معرض حديثه عن البطالة بين الأردنيين وضرورة أردنة الوظائف، فيقول.. "35 % من السكان في الأردن لا يحملون الجنسية الأردنية، وأهم هؤلاء هم الإخوة السوريون، الذين استقبلناهم على الرحب والسعة عندما كانت بلادهم غير مستقرة، والآن هدأت الأحوال العامة هناك، خصوصاً أن 99 % من اللاجئين السوريين في بلادنا هم من الجنوب السوري، والمنطقة الآمنة 100 %، والأميركيون يضغطون بشروطهم لعدم عودة اللاجئين لأغراض سياسية ضد سورية وقانون قيصر، الأمر الذي يضر الأردن أكثر من أن يضر سورية".
إنه يشخص المشكلات ويطرح الحلول، ويتحدث بجرأة، ولا يمكن اتهام شخصية مثله بالبحث عن شعبويات، ولا عن تصفية الحسابات.
اللافت للانتباه أن شخصية ديمقراطية مثله تقول إن علينا في الأردن أن ندق ناقوس الخطر والقيام بحالة طوارئ حتى لو تطلب الأمر فرض "الأحكام العرفية"، مثلما هو أيضا شخصية قومية غير متعصبة ولا ضيقة الأفق، يطالب فعليا بعودة السوريين الى بلادهم، وأردنة الوظائف، ويتهم الأميركيين مباشرة بكونهم يمنعون الأردن من إعادة السوريين لبلادهم.
النص الكامل لكلمته يستحق بكل صراحة الوقوف عنده، لاعتبارات كثيرة، فنحن في زمن لم يعد فيه مجال للمجاملات، خصوصا مع الأزمات الموجودة، التي لا يمكن الركون فقط الى فكرة "المساكنة الناعمة" معها باعتبارها مزمنة ولا حل لها، وهي التي بحاجة الى حلول جذرية، عميقة، تستقرئ ما هو مقبل، من أجل سلامة هذا البلد واستقراره ودوام قوته، وسلامة أهله أيضا.